كتبِ العلومِ الأخرى، لسبقِها في ذلك، فإنَّ هذا لا يعني الاتِّفاقَ التَّامَّ بين كتب علوم القرآنِ وغيرِها في طرحِها لهذه العلومِ.
ويبدو أنَّ هذا السَّبقَ في التَّدوينِ جعلَ بعضَ الباحثينَ يظنُّ أنَّ جملةً من علومِ القرآنِ، مما يكونُ متداخلاً مع علمٍ آخر = ليست خالصةً له.
وأزيدُ فأقولُ: إنَّ الأصلَ في العلومِ الإسلاميَّةِ التَّداخلُ، وهناكَ قاسمٌ مشترَكٌ بين أصولِ هذه العلومِ، ذلك أنَّ العلومَ الشَّرعيَّة كلَّها مستقاةٌ من الكتابِ والسُّنَّةِ، والكتابُ نزل بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، وكذا الحالُ في السُّنَّةِ أنَّها بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ.
فالفقيهُ ـ مثلاً ـ يحتاجُ إلى تفسير آياتِ الأحكامِ، ولكنَّه لا يحتاجُ إلى تفسير غيرها من الآيات.
والمفسِّرُ المشتغلُ بعلومِ القرآنِ يُعنَى بتفسيرِ آياتِ الأحكامِ؛ لأنها جزءٌ من علمِه الذي يشتغلُ به.
ولا بدَّ لكلٍّ من الفقيهِ والمفسِّرِ من أصولٍ توصلُهما إلى مرادهما (أي: تفسير آيات الأحكام).
ومع اتفاقِهما في محلِّ البحثِ (أي: آيات الأحكام).
وفي اللُّغةِ التي يفسِّرُونَ بها، وإليها يرجعُ كثيرٌ من الأصولِ.
وفي الغاية التي يريدونها، وهي تفسير آياتِ الأحكامِ = فمن الطَّبيعيِّ أن تتَّفِقَ كثيرٌ من أصولِهما.
ولكنَّ الأصولَ التي تعنِي الفقيهَ هي المتعلِّقةُ بآياتِ الأحكامِ فحسب؛ لأنَّها مجالُ بحثِه، في حين يهتمُّ المفسِّرُ بالأصولِ التي تتعلَّقُ بجميعِ آياتِ القرآنِ، من آيات عقائدَ وأحكامٍ وأخبارٍ.