تأخروا في تحريرها فنقلوها عمَّن حرَّرها، وأضربُ لك مثلاً بعلم التجويدِ:
يقولُ شمس الدينِ ابنُ الجَزَرِيِّ (ت: 833) في كتابِه التمهيد في علم التجويدِ: «مخارجُ الحروف عند الخليلِ سبعةَ عشر مخرجًا (?)، وعند سيبويه وأصحابه ستَّةَ عشر (?)، لإسقاطِهم الجويَّة (?)، وعند الفراء وتابعيه أربعةَ عشر، لجعلهم مخرجَ الذلقيةِ (?) واحدًا» (?).
ألا تلاحظُ أنَّ المقرئ ابن الجَزَريِّ (ت: 833)، وهو يتحدَّثُ عن أصلٍ من أصولِ التجويدِ، يُرجِعُ معلوماتِه إلى علماءِ لغةٍ ونَحْوٍ، ولم يُرجِعْهُ إلى عالمٍ متخصَّصٍ بعلمِ القراءةِ!
أيعني هذا أنَّ مخارجَ الحروفِ ليستْ من علمِ التجويدِ؟
كلاَّ. لكنَّ علماءَ النَّحوِ واللُّغةِ كانوا أصحابَ التَّحريرِ الأولِ لمسائلِ مخارجِ الحروف وصفاتها، فلما أفردَ علماءُ القراءاتِ علمَ التَّجويدِ لبيانِ صفةِ قراءةِ كلِّ قارئٍ على حِدةٍ، جعلوا علم مخارجِ الحروف وصفاتِها من أوَّلِ العلومِ التي يحتاجُها دارسُ التَّجويدِ، ولما كتبوا مسائلها نقلوها عن أوَّلِ من حرَّرها، وهم علماءُ النَّحوِ واللُّغةِ، ولا يختلف اثنانِ في أنَّ علمَ النَحوِ واللُّغةِ سابقانِ لعلمِ القراءةِ والتجويدِ من حيثُ التأليف.
إذًا، فمخارجُ الحروفِ وصفاتُها من صميمِ علم التَّجويدِ، وإنما