ولنعلم جميعًا أن الإمداد على قدر الاستعداد، وأن التفاوت الحقيقي بين الناس ليس بالدرجة الأولى في الإمكانات، بل في الرغبات، فمن لديه رغبة أكيدة في الوصول لشيء ما فإنه - بعون الله - يبلغه ... ويؤكد هذا المعنى ابن الجوزي بقوله: لو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد لرأيت المقصر في تحصيلها في حضيض (?).

فيقينًا لو قويت رغبتنا في الانتفاع بالقرآن، والدخول في دائرة تأثير معجزته ... لو قويت رغبتنا واشتدت حاجتنا للقلب الحي ... للسعادة الحقيقية ... لمعرفة الله ... لجنة الدنيا ... فيقينًا سنصل إلى مقصودنا في وقت قياسي، وكيف لا والله عز وجل ينتظر منا التفاتة صادقة ليُقبل علينا ... أتراه يمنعنا من جريان معجزة القرآن علينا وهو يحبنا ويريد لنا الخير؟ {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43].

كل ما هو مطلوب منا أن نحرك قدم العزم، ونشمر عن ساعد الجد، وأن نلح على الله في الدعاء بأن يجعلنا من أهل المعجزة القرآنية، ثم نقبل على القرآن باجتهاد وصدق ننتظر الفتح منه سبحانه ... قال صلى الله عليه وسلم: « ... ومن يتحر الخير يُعطه» (?)

أمامك عقبة:

من الأمور التي قد تمنع الواحد منا من استشعار حاجته إلى المعجزة القرآنية أنه قد تعود على تدبر القرآن واستخراجه لمعانٍ عظيمة منه، فهذا من شأنه أن يُشعره بأنه قد أدى حق القرآن، وانتفع به، ومن ثمَّ لا يقع الحديث عن المعجزة القرآنية موقعه الصحيح في نفسه، ولا يتفاعل معها، بل وقد يعتبر أن هذا الكلام موجهًا إلى غيره، لذلك فإن من المهم أن يتأكد لدينا بأن المقصد من التعامل الصحيح مع القرآن ليس التدبر فقط، بل أن يصبح القرآن مصدرًا رئيسًا لتوليد القوة الروحية، وهذا يستلزم حصول التأثر وتجاوب المشاعر مع المعاني التي تفهمها عقولنا، فهذا الذي يزيد الإيمان ويولد الطاقة، ويسير بالقلب قُدمًا نحو التحرر من أسر الهوى، ومن ثمَّ تتم يقظته وحياته الدائمة.

إن العلم وحده لا يكفي ليكون دافعًا للعمل، بل لابد أن يمتزج بالعاطفة، ويؤثر في المشاعر والقرآن يفعل ذلك بكل سهولة ويسر -إذا ما أحسن المرء التعامل معه-، وقراءته بالطريقة التي تخاطب الفكر والعاطفة معًا، والتي دلنا عليها الله عز وجل عندما أمرنا بتدبره وترتيله.

فمخاطبة الفكر تحتاج إلى إعمال العقل عند قراءة الآيات ... وهذا هو جوهر التدبر {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص:29].

ومخاطبة العاطفة تحتاج إلى وسائل تستثيرها، فبالإضافة إلى أساليب القرآن المؤثرة، إلا أن هناك أمرًا بالغ الأهمية يقوم بالطرق على المشاعر طرقًا شديدًا ألا وهو الترتيل {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] , وتحسين الصوت بالقراءة «زينوا أصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا» (?)

فإذا ما قام المرء بقراءة القرآن قراءة هادئة بطيئة مرتلة مع إعمال العقل فيما يقرأ, فسيكون لذلك أبلغ الأثر في مزج الفكر بالعاطفة والوصول لدرجة التأثر والتفاعل مع القراءة، ومن ثمَّ تكون الطاقة والروح الدافعة للعمل ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015