ويقول: (عرف سلفنا الصالح رضوان الله عليهم فضل القرآن وتلاوته، فجعلوه مصدر تشريعهم، ودستور أحكامهم، وربيع قلوبهم، وورد عبادتهم، وفتحوا له قلوبهم وتدبروه بأفئدتهم، وتشربت معانيه السامية أرواحهم، فأثابهم الله في الدنيا سيادة العالم، ولهم في الآخرة عظيم الدرجات، وأهملنا القرآن فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من ضعف في الدنيا ورقة في الدين) (?).
إن كان الأمر كذلك فلكي يتم إعادة الثقة مرة أخرى في القرآن من حيث هو المصدر الجامع للتغيير وتوليد الطاقة الروحية, فإن هذا بلا شك يحتاج إلى جهد ضخم وإلى اعتناق المصلحين في الأمة لهذا المشروع، فمع سهولة الحل وبساطته وتيسُّره للجميع؛ إلا أن الموروثات الخاطئة التي توارثتها الأجيال عن القرآن تجعل من الصعب على المرء أن يتجاوزها، وأن تتغير نظرته للقرآن وطريقة تعامله معه، بل إنه من المتوقع أن تجد الكثير من المسلمين غير مقتنع أو متحمس لمبدأ أن القرآن هو الحل، وبأن مجد الإسلام سيعود من جديد على يديه، فهم يظنون أن اهتمامهم بحفظه، وكثرة قراءاته، وانشاء المدارس لتحفيظه، والتعمق قي قراءة تفسيره، وافتتاح الحفلات به، هو أقصى ما ينبغي عليهم فعله معه.
من هنا اشتدت الحاجة لبذل الجهد الضخم لإزالة تلك الموروثات القاصرة، ولتغيير تلك الأساليب السائدة لنشره وخدمته، ولبناء الثقة عند الناس في قيمته الحقيقية.
وقبل الحديث عن التصورات المقترحة لتفعيل مشروع العودة إلى القرآن والانتفاع بقوة تأثيره الفريدة، والتعامل معه على أنه بداية حقيقية لمشروع النهضة، فإن هناك شرطًا لابد منه لكل من يريد اعتناق وتبني هذا المشروع ألا وهو ضرورة الانتفاع والتأثر به أولاً، وتذوق حلاوة الإيمان من خلاله، وأن يصبح بالفعل مصدرًا متفردًا للقوة الروحية والدافع الذاتي عند من يريد نشره وإيصاله إلى غيره.
لابد لكل من يريد أن يدل الناس عليه أن يبدأ بنفسه أولاً، وأن يشاهد المعجزة القرآنية وهي تعمل داخله، وأن يشرق على قلبه نور القرآن وتظهر علاماته عليه، والتي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله أصحابه عن علامات دخول النور القلب وانشراحه له فقال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله» (?).
لا يُعقل أن ندل الناس على شيء لا نعرفه، ولم نتذوقه، ولم نر أثره، فهذا إن تم فإنه يعرضنا للمقت من الله كما أخبرنا سبحانه بذلك: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف:3].
ومن شأنه أن يجعل الكلام لا يخرج من القلب، فلا يتعرض للتوفيق الإلهي، ولا يُشعر مستمعه بحرارته فكما قيل: ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
انتبه:
مهما كنت أخي الحبيب .. مهما كنت حافظًا للقرآن، أو عالمًا من العلماء أو داعية أو كاتبًا أو مربيًا ... مهما كان سنك، ومهما كانت مكانتك بين الناس ... لابد لك أولاً من الدخول إلى دائرة تأثير القرآن والانتفاع به ومشاهدة معجزته في نفسك، ورؤية أنواره، وهذا لا يحتاج منك إلى كبير عناء ... فقط أن تستشعر حاجتك إلى القرآن ثم تقبل عليه بشغف باحثًا عن التأثر من خلال تلاوة آياته، وهذا ما أوصي به نفسي وإياك، فعلى قدر ما سنُعطي القرآن من أوقاتنا وعقولنا ومشاعرنا سيعطينا ويعطينا، وعلى قدر ما سنتواضع أمامه، وندخل عليه دخول الملهوف المتشوق لرؤية معجزته، الباحث عن حياة قلبه ستكون النتيجة المبهرة بمشيئة الله ..
أما إذا دخلنا عليه دخول المتردد الذي لا يستشعر احتياجه إليه فسنبتعد كثيرًا عن دائرة معجزته.