خصوصية الترتيل:

ولأن القرآن هو الوحيد في الكتب السماوية الذي يجمع بين الرسالة والمعجزة، فقد ميَّزه الله عز وجل بأن يُقرأ مرتلاً، فالتوراة والإنجيل لم يؤمر الناس بترتيلهما، وكذلك فإن القرآن كان ينزل على مراحل، ولم ينزل جملة واحدة مثل التوراة، وذلك للقيام بدوره العظيم في إنشاء الإيمان وتثبيته في القلب {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32].

ولقد كانت قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن قراءة هادئة بطيئة مترسلة مرتلة، فقد كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية حتى الصباح، وكان صلى الله عليه وسلم يقف عند المعاني متأملاً ومعتبرًا {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء:106].

التأثر هو الغاية:

إذن فلتكن غايتنا من قراءة القرآن الوصول لدرجة التأثر، فمهما فهمنا وتدبرنا الآيات دون أن يصاحب ذلك تأثر، فلن يفعل القرآن ما نريده منه، ولن نشعر بمعجزته وهي تعمل داخلنا وتقوم بتوصيل تيار الحياة إلى قلوبنا.

ولقد تمت الإشارة إلى الوسائل المعينة على الوصول إلى درجة التأثر في غير هذه الصفحات (?) وهي باختصار:

أن يكون هدفنا من قراءة القرآن التأثر القلبي وليس التدبر العقلي فقط، وهذا يستدعي منا القراءة اليومية للقرآن، وأن تكون متصلة وبمدة معتبرة، وأن يكون وردنا اليومي زمنًا وليس كمًا محددًا وذلك بأن يكون ساعة أو ساعتين، وأن نقرأه في مكان هادئ قدر المستطاع، وبصوت مسموع وبترتيل، وأن نتباكى عند القراءة لنهيئ مشاعرنا لسرعة الاستثارة، ولا يكن همنا هو سرعة الانتهاء من السورة أو الجزء ...

وعلينا أن نقرأه ببساطة ودون تعمق وتوقف عند كل لفظ فيه، بل نأخذ المعنى الإجمالي الذي تدل عليه الآيات، وأن نمرر ما لا نفهمه، على أن نعود للتفسير في وقت آخر غير وقت التلاوة, حتى لا يحدث برود أو فتور في المشاعر، ومن ثمَّ يصبح من الصعب استثارتها بعد ذلك.

وعندما يحدث التأثر مع آية أو آيات فعلينا بتكرارها مرات ومرات طالما وُجد التجاوب والتأثر, لنستفيد قدر الإمكان من الإيمان الذي يزيد في هذه اللحظات، والطاقة المتولدة الناتجة من هذه الحالة.

هذه الوسائل لو داومنا عليها لدخلنا إلى دائرة تأثير القرآن - بإذن الله - في مدة وجيزة، ولشعرنا بالتغيير، وبروح جديدة تسري داخلنا، ولعدنا إلى مرحلة الانتباه التي كنا عليها عند بداية تديننا، ولوجدنا قلوبنا تتحرك معنا حين نريدها، ولعظم قدر الله في نفوسنا ولصغرت الدنيا في أعيننا و ... كل ذلك وغيره سيحدث بمشيئة الله لو ثابرنا على اتباع هذه الوسائل، وانشغلنا بالقرآن أكثر مما ننشغل بأي شيء آخر خاصة في البداية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015