ثامنًا: القرآن وسيلة ودواء مُجرب

ومما يؤهل القرآن ليكون بداية صحيحة لنهضة الأمة، أنه قد جُرِّب من قبل ... استعمله الجيل الأول على حقيقته فصاروا من خلاله - بإذن الله - خير أمة، وتبدل ترتيبهم بين الأمم من الذيل إلى المقدمة في سنوات معدودة.

لقد كان حال أمة العرب قبل الإسلام أسوأ بكثير من حالنا الآن، ومع ذلك فقد نفع معهم القرآن وأثر فيهم، وغيَّرهم، وأصلح حالهم، وأعاد صياغتهم من جديد، وهذا - بلا شك - يعطينا الأمل بأن القرآن يصلح معنا - بإذن الله - ويقدر أن يفعل بنا مثل ما فعل بهم.

ويكفيك في هذا أن حزنهم الشديد على وفاة محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فقط على فراقه، بل كان على انقطاع نزول القرآن، وانفصال الأرض عن السماء، كيف لا وقد ذاقوا حلاوة الإيمان من خلاله، وأدركوا قيمته وقدرته التغييرية الفذة، وأنه كان يرفعهم ويرقيهم في مدارج الإيمان، ويزيدهم معرفة بالله،

وارتباطًا به ...

تأمل معي هذه الواقعة التي تؤكد هذا المعنى:

«قال أبو بكر، رضي الله عنه، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمر، رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن، نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ... فما انتهينا إليها بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكي أن الوحي انقطع من السماء!

فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها». (?)

فالنص - كما يقول د. فريد الأنصاري - دال بوضوح على أن ارتباط الصحابة، إنما كان بالقرآن، الذي هو ربط مباشر بالله، ولم يكن بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من حيث هو مبلغ عن الله (?).

(ومن ثمّ صح أن نقول: إن القرآن الكريم كان هو الباب المفتوح والمباشر الذي ولجه الصحابة الكرام إلى ملكوت الله، حيث صُنعوا على عين الله ... إنه السبب الوثيق الذي تعلقت به قلوبهم، فأوصلهم إلى مقام التوحيد (الفعلي والحقيقي). (?)

ولقد دأب رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى ترسيخ الارتباط بالقرآن، باعتباره المصدر الأساسي للتربية، والمتتبع لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجدها شارحة للقرآن مبينة لما أُجمل فيه، مؤكدة لمعانيه، وهذا ما دفع الشافعي - رحمه الله - لأن يقول بأن السُّنة هي: فهم النبي للقرآن، أو نضح فهمه للقرآن (?).

أولا يكفينا القرآن؟!

جاء بعض المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما سمعوه من اليهود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفى بقوم حمقا -أو ضلالة- أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إليهم». فنزلت: {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015