هذا الجمال التوقيعي في لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن حتى الذين لا يعرفون لغة العرب, فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟ (?).

ومع جماله التوقيعي يأتي جماله التنسيقي في رصف حروفه وتأليفها من مجموعات مؤتلفة مختلفة (?) مما يزيد من قوة تأثيره على المشاعر.

بحر لا ساحل له:

هذا من ناحية القشرة الخارجية للفظ القرآن، أما ما يخص بيانه ومعانيه وقوة تأثيرها على القلب فلا يمكن لأحد كائنًا من كان أن يدرك أبعادها جميعًا، وإنما هي رشفات نرتشفها من بحر لا ساحل له ...

فالبيان القرآني يحمل شتى أنواع الأساليب التي تخاطب العاطفة, وتضرب على أوتار القلوب فتستثيرها وتأخذ بمجامعها وترجها رجًا عنيفًا, فيحدث التفاعل وتتولد الطاقة والقوة الروحية وتقوى العزيمة، وتشتد الإرادة للقيام بما تحمله الآيات من توجيهات ...

فتجد القرآن مليئًا بأساليب الترغيب والترهيب، والتشويق، ولفت الانتباه، وضرب الأمثال، والقصة، والتخيير، والاستدراج، والترقيق، والتنفير، والتحذير، والتشجيع، والإشهاد، والاستشهاد، وإثارة مشاعر الغيرة والتنافس ....

هذا وغيره تجده بسهولة عند قراءتك لبضع آيات من القرآن، فإذا ما اجتمع في القراءة الترتيل الصحيح حيث التأثر بالنظْم والجرْس، مع التدبر والفهم حيث التأثر بالمعنى .. تولدت القوة الروحية التي ننشدها.

فإن أردت مثالاً لتأثير التلاوة الصحيحة في المعنى، وما يحدثه من أثر في القلب، وبعد ذلك البدن في الحركة فاقرأ -إن شئت- قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1:2]، وكذلك قوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: 193].

وقل مثل ذلك على إيحاءات ألفاظ: سارعوا - سابقوا - خروا سجدًا وبكيا، وأثر ذلك على القلب والبدن.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015