رابعًا: القرآن لديه القدرة - بإذن الله -
على الاستثارة الدائمة للمشاعر والضرب على أوتار
القلوب وتوليد الطاقة والقوة الروحية
أودع الله في القرآن خاصية عجيبة تساعده على تفعيل معجزته، والقيام بدوره الخطير في توليد القوة الروحية الدافعة للعمل بما يدل عليه، هذه الخاصية هي قدرته الفذة - بإذن الله - على الاستثارة الدائمة للمشاعر.
ونلحظ هذه الخاصية في لفظه وبيانه.
فبالنسبة للفظه وتأليف حروفه وكلماته نجد أن نَظْمه وجرسه - عندما يُقرأ بترتيل صحيح - له وقع مؤثر غاية التأثير على النفس, فله جمال توقيعي يأخذ بمجامع القلوب؛ من توزيع الحركات والسكنات، والمدَّات والغنات، والاتصالات والسكنات، لا يمكن أن تجده في غيره.
يقول محمد عبد الله دراز: أول ما يلاقيك ويسترعى انتباهك من أسلوب القرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي في شكله وجوهره.
دع القارئ المجوِّد يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله، ثم انتبذ منه مكانًا قصيًا لا تسمع فيه جرْس حروفه، ولكن تسمع حركاتها وسكناتها، ومدَّاتها وغُنَّاتها، واتصالاتها وسكناتها، ثم الق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية، وقد جُرِّدت تجريدًا أو أرسلت ساذجة في الهواء. فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لو جُرِّد هذا التجريد، وجوِّد هذا التجويد.
ستجد اتساقًا وائتلافًا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر، على أنه ليس بأنغام الموسيقى ولا بأوزان الشعر, ذلك أنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد الأوزان فيها بيتًا بيتًا، وشطرًا شطرًا، فلا يلبث سمعك أن يمجها، وطبعك أن يملها، إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد، بينما أنت من القرآن أبدًا في لحن متنوع متجدد، تنتقل فيه بين أسباب وأوتار وفواصل، على أوضاع مختلفة يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء، فلا يعروك منه على كثرة ترداده ملالة ولا سأم. بل لا تفتأ تطلب منه المزيد.