وَالذُّرَى الْبَاسِقَةَ أَوْ لأَرْمِيَنَّكَ بِلِسَانٍ صَارِمٍ مِنْ أَرِيبٍ مُرَاجِمٍ، يَلْدَغُكَ بِحُسْبَانٍ، فَإِنَّكَ ذُو خِدَعٍ وَمَكْرٍ، قَتَّاتٌ عَيَّابٌ مُغْتَابٌ، تُقَلِّبُ لِسَانَكَ فِي قُرَيْشٍ كَتَقْلِيبِ الْمَحَالَةِ، وَوَاللَّهِ لَتَدَعَنَّ وَقِيعَتَكَ فِي الرِّجَالِ أَوْ لأَسِمَنَّكَ بِسِمَةٍ تَدَعُكَ شَنَارًا وَتُكْسِبُكَ عارا، فقال عمرو: كلا يا ابن الزُّبَيْرِ لَقَدْ أَحْكَمَتْنِي التَّجَارِبُ، وَجَرَّسَتْنِي الدُّهُورُ، وَعَرَفْتُ نَظَائِرَ الأُمُورِ، وَحَلَبْتُ الزَّمَانَ أَشْطُرَهُ، وَرَضَعْتُ أَفَاوِيقَهُ، فَأُغِرَق سَهْمِي نَزْعًا، وَلَمْ تُعْرَفْ لِي نَبْوَةٌ فِي شِدَّةٍ، وَلا جَهَالَةٌ عِنْدَ الْحِدَّةِ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أُمُورَ الْبَاطِلِ بِذَرْبِ (?) الْحَقِّ حَتَّى أَقَمْتُ مَيْلَهَا، وَثَقَفْتُهَا بَعْدَ اعْوِجَاجِهَا.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَقَدْ قَرُبَ غَوْرُكَ، وَضَاقَ صَدْرُكَ، فَانْتَفَخَ سَحْرُكَ، وَالْتَوَى عَلَيْكَ أَمْرُكَ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ تَعَاطِي مَا أَتَعَاطَاهُ فَإِنِّي امْرُؤٌ سَمَا بِي إلى ذلك ما لا تصول بِمِثْلِهِ: أَنْفِي حَمِيٌّ، وَحَسَبِي زَكِيٌّ، وَقَلْبِي ذَكِيٌّ، وَأَمْرِي سَدِيدٌ، وَرَأْيِي رَشِيدٌ، وَلَقَدْ قَعَدَ بِكَ عَنْ ذَلِكَ ضَعْفُ جَنَانِكَ، وَصَغِيرُ هِمَّتِكَ، وَأَمَّا ذَمُّكَ نَسَبِي وَحَسَبِي فَقَدْ حَضَرَنِي وَإِيَّاكَ النُّظُرَاءُ الأَكْفَاءُ الْعُلَمَاءُ بِي وَبِكَ، وَأَنْشَدَ (?) :
تَعَالَوْا فَإِنَّ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي النُّهَى ... مِنَ النَّاسِ كَالْبَلْقَاءِ بَادٍ حُجُولُهَا
نُنَافِرُكُمْ (?) بِالْحَقِّ حَتَّى تَبَيَّنُوا ... عَلَى أَيِّنَا تُلْقِي الْفُرُوعَ أُصُولُهَا (?)
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَمَنْ حَضَرَ: أَنْصَفَكَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا وَاللَّهِ لأَغُصَنَّكَ بِرِيقِكَ، وَلأُلَيِّنَنَّ أَخْدَعَيْكَ، وَلأُقِيمَنَّ صَعْرَ خَدَّيْكَ، وَلأُبَيِّنَنَّ لِلنَّاسِ كَهَامَةَ لِسَانِكَ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَأَنَا فِي نَفْسِي خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ قَالُوا: أنت، قال: أفأبي خير أم أَبُوهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَبُوكَ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: أَفَأُمِّي خَيْرٌ أَمْ أُمُّهُ؟ قَالُوا: أُمُّكَ وَاللَّهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، قَالَ: أَفَجَدَّتِي خَيْرٌ أَمْ جَدَّتُهُ؟ قَالُوا: جَدَّتُكَ صَفِيَّةُ عَمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَظَفَرَ بِهِ ابن الزبير فأنشد: