الصريح". أما إذا كانت التهمة صغيرة فيحكم عليه بالسجن لمدة محدودة أو بغرامة مالية ويسمون ذلك حكم"التوفيق".
كانت أحكام الإعدام بالنار كثيرة، وتكون في مهرجانات عظيمة يتفرج فيها القساوسة ورجال الدولة والأهالي تمامًا كما كان يتفرج رعاع روما على النصارى الأوائل الذين كان يرمى بهم للأسود المفترسة في حفلات كبرى. وكثيرًا ما كان يشهد حفلات الحرق هذه الملك نفسه وكبار رجال دولته. وكان يحرق المتهمون جماعيًّا في مواكب الموت وأحيانًا أسر بأكملها من أب وأم وأطفال. وكان الملك فراندو من عثاق التفرج على المسلمين وهم يحرقون.
كانت محاكم التفتيش تحاكم أحيانًا الموتى فتنبش قبورهم وتخرج جثثهم لتعاقب. وتتابع محاكم التفتيش الغائبين كذلك. وكان لأعضاء هذه المحاكم حصانة كاملة من أية متابعة. وكانوا في غالب الأحيان ذوي أخلاق سافلة لا يتورعون عن ارتكاب جميع الموبقات والجرائم أقلها الارتشاء واختلاس أموال الأبرياء وأكثرها اغتصاب النساء والرجال وقتلهم كما ذكرته الكتب التي تعرضت لهذا الموضوع في إسبانيا وخارجها.
ولما أكره الأندلسيون على التنصير واستحالوا من أمة مسلمة إلى أمة المورسكيين، المسلمين سرًّا النصارى ظاهرًا، وعندما فشلت كل ثوراتهم بعد سنة 1502 م أصبحوا لقمة سائغة في يد محاكم التفتيش هذه التي عدتهم نصارى وأصبحت تلاحقهم جماعات وفرادى لتنزع عنهم أي أثر للإسلام عقيدة أو ثقافة أو لغة. وقد أُخضع مسلمو غرناطة إلى محاكم التفتيش منذ إعلان تنصيرهم القسري سنة 1499 م، وجعلت محكمة غرناطة من اختصاص محكمة التفتيش في قرطبة. ولنرَ الآن مأساة المورسكيين في يد محاكم التفتيش.
لما أخمدت الثورات وألغي الإسلام رسميًّا في جميع أنحاء مملكة غرناطة دخل الأندلسيون مرحلة جديدة في تعاملهم مع مضطهديهم. فعاشت الدولة والكنيسة في بادىء الأمر تحت أمل خاطىء وهو أن الأندلسيين سيعترفون بالأمر الواقع بعد قتل أو هجرة أو استرقاق كثير من زعمائهم وبمجهود بسيط من التعليم الديني النصراني سيصبحون هم أو أبناؤهم نصارى كغيرهم. بينما عاش الأندلسيون كذلك في أمل