فعيّن توريكمادا في إشبيلية لجنة من المفتشين العامين وضعت سنة 1485 نظام الديوان الجديد مع مجموعة من القرارات واللوائح. ثم اجتمعت لجنة ثانية سنة 1488 م في بلد الوليد، وثالثة سنة 1498 م في آبلة. ثم تولى بعد ذلك المجلس الأعلى صياغة اللوائح وتنظيمها. وهكذا تكونت محاكم التفتيش الكاثوليكية الإسبانية التي تجمع بين الصفتين الدينية والقومية والتي ذاق منها المسلمون بعد ذلك صنوفًا لا توصف من العذاب والإذاية والظلم. وكان أول"مفتش عام"، توريكمادا، رجلاً ظالمًا متعصبًا، لا يعرف الرحمة ولا الشفقة، مع شغفه بالبذخ والأبهة والترف والسلطة. وقد ندب البابا له سنة 1494 م أربعة من المفتشين العامين وخولهم نفس السلطة التي لديه. وعندما مات سنة 1498 م خلفه في منصب"المفتش العام"القس "دييغو ديسا"، أسقف جيان.
تبدأ محكمة التفتيش عملها بالتبليغ إما من طرف شخص بعينه أو بدونه. فحينما يكون المبلغ معروفًا يستدعى لتقديم شهادته التي تعتبر"تفتيشًا تمهيديًّا". ويمكن اتهام شخص عن طريق التهمة أو عن طريق الاعتراف لدى قس. إذ على كل كاثوليكي أن يعترف بكل ذنوبه لقس ليغفر له، ويمكن للقس أن يستعمل هذه الاعترافات ضد المعترف. ثم تعرض نتائج"التفتيش التمهيدي"على"الرهبان المقررين"الذين يقررون إذا كانت التهم الموجهة ضد المتهم تدخله في الكفر أم لا. وحيث كان معظم الرهبان من الجهلة المتعصبين، فقد كانت قراراتهم تتجه إلى الإدانة في غالب الأحيان. وفي حالة الإدانة، يقبض على المتهم ويرمى به في سجن الديوان السري، وتصادر أمواله وتصفى على الفور، وتقطع علاقاته مع العالم الخارجي إلى أن تنتهي المحاكمة التي كانت تستغرق السنوات الطوال. وتدفع نفقات سجن المتهم ومحاكمته من أملاكه المصفاة. وأحيانًا تصادر أموال المتهم حتى قبل الإدانة.
ولا يعلم المتهم سبب سجنه عند القبض عليه، بل يمنح ثلاث "جلسات إنذار" في ثلاثة أيام متوالية يطلب منه فيها أن يقرر الحقيقة، ويوعد بالرأفة إذا قرر كل شيء وبالشدة والعذاب إذا أنكر. وكان هذا الوعد في الحقيقة غدرًا فاضحًا، فلو اعترف المتهم بذنب لم يقترفه عوقب به دون رحمة ولا شفقة، وإذا اعترف بالكفر فلا مناص له من الموت حرقًا. أما إذا رفض المتهم الاعتراف بأي ذنب بعد الجلسات الثلاثة فإنه يحال إلى التعذيب. وأحيانًا يحال إلى التعذيب حتى لو اعترف بذنوبه، إذًا يفترض أنه أخفى أشياء أخرى. وكانت ضروب التعذيب تصل إلى درجة من الوحشية