وبالدس ضد النصرانية. فأصدر الملك أنريكي الرابع، ملك قشتالة، سنة 1459 م، أمرًا ملكيًّا للأساقفة بالبحث والاستقصاء في دوائرهم عن المارقين المضمرين لأفكار مخالفة للكثلكة. وهكذا ابتدأ الاضطهاد الكنسي ضد اليهود المتنصرين فأحرق منهم الجم الغفير قبل سقوط غرناطة.
ولم تشمل هذه المحاكم آنذاك المسلمين أو المدجنين بعد، بل أرسل سكتوس الرابع، بابا روما، مرسولاً كلفه بالتحقيق والقبض على الخارجين على الكنيسة ومعاقبتهم. فخاف الملكان فراندو وايسابيلا أول الأمر على سلطتهما ووقفا ضد هذه المحاولة البابوية، فأوقفا القساوسة من متابعة النصارى من أصل يهودي. لكن مقاومة الملكين الكاثوليكيين لم تدم طويلاً إذ أرسلا سفيرهما إلى البابا سنة 1478 م في هذا الأمر. فأصدر البابا مرسومًا في شهر نوفمبر من سنة 1478 م بإنشاء"محكمة التفتيش"في قشتالة وتعيين المفتشين "لمطاردة الكفر ومحاكمة المارقين". وندب المفتشون الثلاثة الأولون في شهر سبتمبر عام 1480 م إلى إشبيلية، عاصمة قشتالة آنذاك. وهكذا ابتدأت محاكم التفتيش عملها الجهنمي ضد المسلمين في إسبانيا.
وطالبت المحكمة في أول عملها الجميع بالتحول إلى جواسيس للكنيسة وذلك بالبحث عن "الملحدين" و"الكفرة" والمساعدة على جمع الأدلة ضدهم. وكان أول ضحايا هذه المحاكم النصارى من أصل يهودي، فحوكم اللآلاف منهم وصودرت أموالهم وأحرق بالنار مئات من الأبرياء بينما جرد الباقون من حقوقهم وحتى إنسانيتهم.
وتوسع "ديوان التفتيش" في فبراير عام 1482 م بتعيين سبعة مفتشين جدد بمرسوم بابوي استصدره الملكان الكاثوليكيان. كما أنشئت بعد ذلك محاكم للتفتيش في بلد الوليد وشقوبية وطليطلة وقرطبة وجيان، ثم عمت المحاكم مملكتي قشتالة وأراغون. ثم صدر مرسوم بابوي سنة 1483 م بإنشاء مجلس أعلى لديوان التفتيش يتكون من أربعة أعضاء أحدهم المفتش العام رئيس المجلس، لهم تفويض كامل في كل الشؤون الدينية. وصدر مرسوم بابوي في أكتوبر من نفس السنة بتعيين معترف (أي الراهب الذي يصرح له بالذنوب ليغفرها حسب معتقدات النصارى) الملكين، القس توماس دي توريكمادا (أي البرج المحروق)، مفتشًا عامًّا، كلف بوضع نظام جديد للديوان المذكور.