عليه ومعاقبته. وكانت تعقد لذلك مجالس كنسية مؤقتة كانت بمثابة محاكم التفتيش المبدئية. ثم تحل المحكمة بعد مطاردة المتهمين والقضاء عليهم. وهكذا عذبت الكنيسة الكاثوليكية أجيالاً كاملة من المفكرين والعلماء في أنحاء أوروبا بكل قساوة وبطرق إجرامية لا تمت للإنسانية بصلة.
ثم أنشئت في أديرة الفرانسسكان والدومنيكان محاكم ثابتة حيث كان يتولى الأساقفة رئاستها بسلطة مطلقة. أما التحقيقات والمرافعات فكانت تجري بطريقة سرية، ولم يكن الحكم قابلاً للنقض بعد إصداره. وكان يسمح للأطفال والعبيد والنساء بالشهادة ضد المتهم في الوقت الذي لم يكن يسمح لهم بالشهادة له. وكثيرًا ما كانت الأحكام ترتكز على اعترافات المتهم التي كانت تؤخذ منه بالتعذيب والمكر.
وتفننت تلك المحاكم في طرق التعذيب التي كثيرًا ما كانت تؤدي بحياة المتهم أو تعوقه فيما تبقى من حياته. ولم تكن لتلك المحاكم سجون ثابتة، بل كان يرمى المتهمون في سجون مؤقتة مظلمة قليلة الهواء مصفدين في الأغلال، يذوقون الأمرين من العطش والحر أو البرد والجوع والآلام النفسية. وكانت أكثر العقوبات ترتكز على المصادرة لإغناء خزائن محاكم التفتيش والقائمين عليها أو السجن المؤبد أو الجدف على السفن أو الخدمة في المناجم أو الإعدام حرقًا، والسعيد منهم من يفلت بغرامة ضخمة. وكانت محاكم التفتيش تصدر أوامرها الإجرامية بإحراق الكتب المحرمة، وكم أحرقت من كتب العلماء والفلاسفة.
وهكذا تابعت محاكم التفتيش الكاثوليكية في كل أنحاء أوروبا المذاهب غير الكاثوليكية مثل الألبيين واليهود. ثم أخذت تطارد كل من ظهرت عليه بوادر الشك في العقيدة الكاثوليكية حسب قرارات الكنيسة المتغيرة. فطورد العلماء والمفكرون وشرد وأحرق جم غفير ممن اتهموا بالسحر والعرافة.
وأنشئت أول محكمة للتفتيش في شبه الجزيرة الإيبرية في مملكة أراغون في القرن الثالث عشر الميلادي وحدد نظامها سنة 1242 م، عرفت بالديوان القديم.
واستعمل هذا الديوان بكل قساوة ضد الألبيين حتى أصبح اسمه مدعاة للإرهاب والفزع. ثم فكرت مملكة قشتالة في تأسيس محاكم التفتيش لملاحقة النصارى من أصل يهودي الذين سما شأنهم في الدولة والكنيسة، وأصبحوا محط أنظار الحساد والمبغضين، وأصبح لهم نفوذ مالي كبير ومكانة مرموقة في المجتمع القشتالي.
فأخذت الكنيسة الكاثوليكية تنظر إليهم بريب وتتهمهم بمزاولة الشعائر اليهودية سرًّا