لكن الكنيسة الكاثوليكية حاربت بقوة سياسة الاعتدال الأولى. وكان لها في إسبانيا آنذاك نفوذ عظيم على الدولة، كما كانت توجه من طرف البابا إسكندر السادس. وكان الرهبان يتأججون حقدًا على الإسلام والمسلمين، وأكبر آمالهم هو سحق دين الإسلام. فعملوا على إقناع الدولة بأن لا خلاص لها إلا بتنصير المسلمين عن رضى أو قهر. وكان الملكان الكاثوليكيان يشاركان الكنيسة هذا الرأي، وما كانت العهود التي قطعاها لتعوقهما عن الغدر. وهكذا لم تمر على احتلال غرناطة أكثر من بضع سنين حتى بدت أهداف الدولة الإسبانية والكنيسة الكاثوليكية واضحة جلية.
كان أول الغدر تحويل مسجد الطيبين إلى كنيسة وكذلك مسجد الحمراء، ثم تحويل مسجد غرناطة الأكبر إلى كتدرائية. ثم نظمت الكنيسة في السنين الأولى فرقًا تبشيرية من رهبان وراهبات للقيام بنشر النصرانية. وكان ظنهم أول الأمر أن المسلمين سيعتنقون النصرانية بسهولة، خاصة عندما هاجر زعماؤهم وارتد الكثير من كبارهم.
ولما مرت السنون ولم تأت هذه الفرق بنتيجة تذكر أخذت الكنيسة والدولة تفكر في تغيير سياستها من اللين إلى العنف، ملغية كل بنود معاهدة التسليم الواحدة تلو الأخرى.
وهكذا تغيرت سياسة الدولة فجأة، إذ استدعى الملك فراندو الكاردينال فرانسيسكو خيمنس دي سيسنيروس سنة 1499 م، مطران طليطلة، ليعمل على تنصير المسلمين بصرامة أكبر. فوفد على غرناطة في شهر يوليوز من السنة نفسها، ودعا مطرانها الدون إيرناندو دي طلبيرة إلى اتخاذ وسائل فعالة لتنصير المسلمين.
فأمر بجمع فقهاء مدينة غرناطة والمدن الأخرى ودعاهم إلى ترك الإسلام واعتناق النصرانية ليكونوا أسوة لغيرهم، وأغدق المنح على من قبل ذلك وهدد بالوعيد والعقوبة لمن رفض. فضعف بعضهم وقبل التنصير وتبعهم بعض العامة. وتمركز التنصير في حي البيازين من أحياء غرناطة الشعبية، وحول جامعها الأكبر إلى كنيسة "سان سلباطور".
ثم ركّز سيسنيروس على المسلمين من أصول نصرانية (ويسميهم البعض العلوج) وقرر أن كل من ارتد عن النصرانية يعامل هو وأبناؤه وأحفاده وسلالته معاملة المرتدين، فاحتج المسلمون من أصل نصراني بأن معاهدة غرناطة صريحة نحوهم وأنهم مسلمون لا فرق بينهم وبين غيرهم من المسلمين. فبدأ أعوان سيسنيروس بملاحقة العائلات المسلمة من أصل نصراني والزج بها في السجون