لكن المهاجرين الأندلسيين عوملوا من طرف الأعراب في بوادي الجزائر، خاصة عند انتقالهم من مستعمرة وهران إلى الأراضي العثمانية أسوأ المعاملة. فقد قتل الأعراب منهم عددًا كبيرًا، ونهبوا قوافلهم وسلبوها، كما وصف ذلك المقري قائلاً: "فتسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات، ونهب أموالهم". وزاد البوعبدلي قائلاً: "وقد انتهى بهم (أي الأعراب) الأمر إلى قتلهم (أي الأندلسيين) وبقر بطونهم مما يظنون ابتلاع الجوهر".
وقاومت السلطات العثمانية في الجزائر العاصمة هذه الجرائم أشد المقاومة، كما
تصدى لها العلماء. ودافعت بعض القبائل الواعية عن الأندلسيين، كما فعلت مثلاً
قبيلة سويد التي قامت لمقاتلة القبائل المعتدية على الأندلسيين، كقبيلة هبرة، على
جرائمها.
وقد أثّرت هذه الهجرة على الجزائر تأثيرًا دائمًا، خاصة في الزراعة والفنون العسكرية والإدارية. كما قام الأندلسيون المستقرون في شواطىء الجزائر بتنظيم الجهاد البحري ضد المصالح الإسبانية في البحر الأبيض المتوسط. أما تونس، فيقدر عدد الأندلسيين الذين هاجروا إليها في هذه الفترة بحوالي 50.000 أندلسي. وقد استقر عدة آلاف منهم في تونس العاصمة وأرباضها، فسكن وجهاؤهم في "زقاق الأندلس" داخل الأسوار، وبنى عامتهم أرباضًا خارجها في باب الجزيرة وباب قرطاجنة وباب السويقة وحومة الأندلس. أما العدد الأكبر من المهاجرين الأندلسيين فقد ساعدتهم السلطات العثمانية في تونس على تأسيس مدن زراعية في أربع مناطق من الولاية التونسية، وهي: 1 - ضواحي تونس العاصمة؛ 2 - والوطن القبلي؛ 3 - ووادي المجردة؛ 4 - ومنطقة بنزرت. وقدم معظم الأندلسيين الذين هاجروا إلى تونس من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة. وقد انتقل معظم الأراغونيين، أو الثغريين كما كانوا يسمون أنفسهم، إلى تونس عن طريق ميناء أغد بفرنسا.
استقبلت السلطات العثمانية في تونس، وعلى رأسها حاكمها عثمان داي، المهاجرين الأندلسيين استقبالاً جيدًا ومنظمًا، ورأت فيهم عنصرًا مهمًا لإعادة تعمير البلاد والوقوف أمام عبث الأعراب. فسهل عثمان داي عليهم سبل العيش، وحماهم من هجوم الأعراب، وأقرهم على الولاة الذين ينتخبونهم من بين زعمائهم، وأعفاهم من الضرائب لمدة كافية لاستقرارهم. ثم تابع ولاة الدولة العثمانية في تونس الذين