في مدن المغرب الأخرى، كسلا والقصر الكبير، وبواديه، فقد كان استقبالهم فيها فاترًا إن لم يكن سيئًا. وسبب ذلك أن معظم الأندلسيين الوافدين على المغرب في هذه الفترة كانت قد مرت عليهم أجيال من الاضطهاد النصراني جعلت جلهم يجهل اللغة العربية ولا يتكلم إلا الإسبانية، ويحمل أسماء إسبانية، ويتاثر بالعادات النصرانية، كما كانت معرفتهم بالتعاليم الإسلامية ضعيفة بالنسبة للمغاربة، حتى أن أعداءهم أصبحوا ينعتونهم بـ "نصارى قشتالة". وقد أدى هذا الوضع بالتجمعات الأندلسية الكبيرة، خاصة في تطوان والرباط، إلى الاستقلال عن الدولة المغربية لفترة، وتكوين جمهوريات اختصت بالجهاد البحري ضد الإسبان وغيرهم من النصارى في البحر الأبيض المتوسط (تطوان)، وفي المحيط الأطلسي (الرباط وسلا).

وبرز من بين الأندلسيين المهاجرين إلى المغرب في هذه الفترة شخصيات مهمة. منهم عدد كبير ممن عملوا في الترجمة والسفارة، كالشهاب أحمد بن قاسم الحجري الذي كان ترجمانًا وسفيرًا للسلطان مولاي زيدان، ويوسف بسكيانو، ومحمد بنيغش. ومنهم الأطباء، كأبي القاسم الوزير بن محمد الغساني، وأحمد بن معيوب، وغيرهم. ومنهم من برز في فنون أخرى. وأخذ الأندلسيون معهم إلى المغرب تقنيات متقدمة في الزراعة والهندسة والحرف أكدت التأثرات الأندلسية القديمة، وأثرت على الشخصية المغربية ومكوناتها الثقافية تأثيرًا دائمًا جعلت من المغرب الوارث المعاصر للحضارة الأندلسية الإسلامية.

أما الجزائر، فيقدر عدد من هاجر إليها في هذه الفترة من الأندلسيين بحوالي 65.000 أندلسي. استقر حوالي 25.000 أندلسي منهم في الجزائر العاصمة وحدها، وتوزع عدد منهم على المدن المجاورة لها، كالبليدة. ودخل حوالي 22.000 أندلسي الأراضي الجزائرية عبر ميناء وهران، الذي كان مستعمرة إسبانية حينذاك، فانتقلوا إلى المدن الجزائرية المجاورة، خاصة تلمسان ومستغانم. ويقدر بحوالي 18.000 أندلسي عدد الذين هاجروا إلى السواحل الجزائرية الأخرى، كبجاية وشرشال وبونة (عنابة) وغيرها. وقدم معظم الأندلسيين الذين توجهوا إلى الجزائر من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، وقدم بعضهم من مملكة مرسية.

استقبلت الدولة العثمانية في الجزائر المهاجرين الأندلسيين استقبالاً جيدًا، ويسرت لهم سبل الاستيطان. ووجد المهاجرون الاستقبال الرحب من طرف الأهالي في المدن الجزائرية الكبيرة، كالجزائر العاصمة وتلمسان وبجاية ومستغانم وغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015