خلفوا عثمان داي سياسته اتجاه الأندلسيين. وشرع عثمان داي منصب رئيس الأندلسيين بالانتخاب فيما بينهم، يسمى بـ "شيخ الأندلس". وأول من تولى هذا المنصب هو مصطفى بن عبد العزيز كردناش، دام فيه مدة ثلاثين سنة، قدم إلى تونس من بسطة بمقاطعة غرناطة.

واستقبل أهالي مدينة تونس المهاجرين الأندلسيين استقبالاً جيدًا، ولم تسأ معاملتهم إلا من طرف الأعراب، لكن الدولة حمتهم من تجاوزاتهم حماية كافية. كان تأثير الهجرة الأندلسية على تونس إيجابيًّا ودائمًا، خاصة في تعمير مدنها وبواديها، وإنعاش الصناعة والزراعة بها، وإحياء اقتصادها.

ففي ضواحي تونس العاصمة، سلم عثمان داي للأندلسيين جميع المزارع المهجورة فأسسوا العديد من القرى الزراعية، كأريانة وسوكرة ومنوبة والباردو ورادس ومرناق وغيرها. فأدخلوا إلى تلك المناطق زراعة التوت وصناعة الحرير. وأسسوا في الوطن القبلي المدن والقرى الزراعية التالية: حمام الأنف وسليمان وقرنبلية وتركي وبلي ونيانو وزعوان ومنزل بوزلفى ومنزل تميم ودار شعبان ونابل وغيرها. أما في وادي المجردة، فقد أسس الأندلسيون المهاجرون في هذه الفترة سلسلة من المدن والقرى الزراعية، وهي: تستور والسلوقية ومجاز الباب وقريش الوادي وتبوربة والجديدة وقلعة الأندلس وعوسجة والعالية والماتلين ورأس الجبل وغار الملح ومنزل جميل وماطر. وأحيوا مدينة بنزرت وأسسوا في منطقتها بلدة منزل عبد الرحمن. وقد فشل الأندلسيون، رغم مجهودهم، في إعادة تعمير مدينة المهدية (عاصمة الدولة الفاطمية قديمًا) وقد أصبحت خرابًا، بسبب انتشار الأوبئة وتجاوزات الأعراب.

ومجمل القول، فقد أدت الهجرة الأندلسية إلى تونس في هذه الحقبة بالذات إلى انتعاش كبير في المجالات الزراعية والصناعية وفي العلوم. فأدخل الأندلسيون صناعة الشاشية وصناعة الحرير، وأحيوا أراضي موات شاسعة، نشروا زراعة الزيتون، وتسببوا في ازدهار التجارة. وقد نشطت الثقافة الأعجمية بتونس على يد جماعة من المثقفين الأندلسيين المهاجرين إليها، منهم: عبد الكريم بن علي بريز، وإبراهيم التايبلي بيريز، وأصله من طليطلة، والحاج محمد روبيو، وأصله من أراغون القديمة، وغيرهم كثير. كما ظهر في الدبلوماسية عدد كبير من الأندلسيين، من بينهم أحمد بن قاسم بجرانو الأندلسي الذي خدم مولاي زيدان، سلطان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015