وحتى عندما انفصلت الأندلس عن المغرب على عهد الدولة المرينية، بقي المغرب مرتبطًا ارتباطًا عضويًا متينًا بمشاكل الأندلس. وقد نشرت أكاديمية المملكة المغربية ديوان ابن فركون، وقد تضمن مضامين تاريخية، وهي مضامين تعرف لأول مرة وتكشف النقاب عن محنة دولة مجيدة هي دولة بني مرين التي قدّمت الكثير لأهل الجزيرة اليتيمة، وضحّت بالغالي والنفيس في سبيل نصرة الإسلام بالفردوس المفقود، فلم تلق إلا نكران الجميل، وحبك الدسائس، والمؤامرات كما ذكر الأستاذ محمد بن شريفة.

ولقد أدّى المغرب ثمنًا باهظًا جدًّا لدفاعه عن الأندلس كاد أن يكون قاتلاً، فاحتلت شواطئه الأطلسية والمتوسطية من قبل الإسبانيين والبرتغاليين الذين جعلوا من الجديدة وآسفى منطلقًا للعبث في الأرض المغربية حتى أنهم وصلوا مرة إلى ضواحي عاصمة مراكش. وكان فضل الدولتين السعدية أولاً، والعلوية ثانيًا، لا يقدر في المحافظة على الإسلام بالمغرب وضد الاعتداءات الصليبية عليه، ومحاولة تحرير شواطئه المختلفة، وكانت وقعة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاثة)، التي قضت على الدولة البرتغالية بانضمامها إلى العرش الإسباني، بعدما كانت دولة عالمية، معركة فاصلة في إفشال المخطط الصليبي الجهنمي الهادف إلى القضاء نهائيًّا على الإسلام في المغرب العربي، شرقه وغربه. وتعتبر مشاركة الأندلسيين في المعركة من باب مشاركة جميع العناصر المغربية التي ساهمت بصفة طبيعية فيها، كل من موقعه الخاص. كما اعتاد المغاربة طوال القرون السابقة أن يتسابقوا تلقائيًّا إلى المشاركة في مختلف المعارك الأندلسية باعتبارها معاركهم الخاصة.

وهنا ينساق بنا الحديث إلى ظاهرة المفاخرات بين المدن والحارات والأمم.

ففي باريس يعتبر سكان"جزيرة فرنسا" (ليل دوفراس) وسط باريس، حيث كاتدرائية نوتردام، نفسهم الباريسيين الحقيقيين، ومن عداهم طارئين، وكذلك المفاخرة بين سكان ضفتي نهر السين بها. وقد كان لي طبيب بباريس يسألني مازحًا إذا وصلت عنده:"في أية ضفة تنزل حتى نعرف هل أنت من جهتنا أو من خصومنا!؟ ".

والمفاخرات بين الفرنسيين والألمانيين، وبينهم وبين البريطانيين والإسبانيين، مما سارت بذكره الركبان، وكذلك بين الحجازيين واليمنيين، والمصريين والشاميين، والسلاويين والرباطيين، والطنجيين والتطوانيين. ويخترق مدينة فاس وادي الجواهر، ويسكن إحدى عدوتيه اللمطيون، ويسكن الأخرى الأندلسيون، ومن حارات عدوة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015