تجشّمت أن أرقى إليه فلم أجد وقد ملأ الإجلال قلبي أرجلا
فقبّلت بُردًا لف أطيب منكب وأكرم به بُردًا وإن شفَّه البلا
كأن على أكتافه كلّ ما بُنِي وما شُيِّد من مجد أخيرًا وأوّلا
فللَّه نحّات أعاد حقيقة بإزميله ما كان لي متخيَّلا ..
سلامٌ على غرناطة وقصورها وماضٍ سِنِي مستطاب بها حلا
والأندلس الإسلامية مغربية، وكذلك سمي النصارى الإسبان جميع المسلمين بالمغاربة"المورو"، وسمي عرب المشرق الأندلسيين مغاربة، وأدخلوهم في أوقاف المغاربة في الحجاز وبيت المقدس، وفي رُواق المغاربة في الأزهر بمصر. فبمجرد ما أكرم الله المغاربة بالدخول في الإسلام سارعوا إلى إدخاله إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد المغربي. واستشهد الكثيرون منهم، واستقر كثيرون آخرون هناك للدفاع عن الإسلام والمسلمين. وتوحد الشعبان في نطاق الإسلام والثقافة الإسلامية، ولم يؤثر اختلاف الأنظمة الحاكمة في هذه الوحدة الشعبية إطلاقًا. وكذلك كان التنقل بين "العدوتين"، الأندلسية والمغربية، عبر البوغاز، أو المجاز، أمرًا عاديًا مستمرًا في الاتجاهين. وكان الأتقياء من المغاربة يذهبون إلى المرابطة في الأندلس في مواعيد محددة، ثم يعودون إلى ديارهم. وأكتفي بإيراد مثل واحد، هو عالم فاس دراس بن إسماعيل - رحمه الله - الذي تعلم في فاس وقرطبة والقيروان وبغداد، وأدخل مدونة سحنون للمغرب، وكان يدرسها بفاس. وكان يتردد على الأندلس ليرابط بها. والمرابطة نظام إسلامي طبقه المسلمون في المشرق والمغرب، كما هو معلوم. وكما قال لسان الدين ابن الخطيب:
حتى إذا سلك الخلافة انتثر وذهب العين جميعًا والأثر
قام بكل بلدة مليك وصاح فوق كل غصن ديك
ولكن هذه الديكة عجزت عن الدفاع عن نفسها، فاستغاثت بيوسف بن تاشفين، فقاد معركة الزلاقة المظفرة التي زادت في عمر الإسلام بالأندلس أربعة قرون، وأصبحت الأندلس جزءًا من الإمبراطورية المرابطية ثم الموحدية، التي كانت تمتد شرقًا إلى حدود مصر، وغربًا إلى حدود غانة وراء الصحراء الإفريقية الكبرى. وكان الأندلسيون يتولون فيها مناصب سامية، وفضل بعضهم مغادرة الأندلس والاستقرار في مختلف أنحاء هذه الإمبراطورية الشاسعة الأطراف، بل فيهم من تجاوزها إلى الاستقرار في أنحاء المشرق العربي.