أمين، وإنهم يعترفون بأنهم كذبوا عليه، وشوهوا سمعته، ونسبوا إليه ما هو - صلى الله عليه وسلم - منه بريء، وإنهم فعلوا ذلك بعد أن لاحظوا أنه لم يبق في شمال إفريقيا نصراني واحد، فحتى لا يقع في الأندلس ما وقع في بلدان المغرب فعلوا ما فعلوا. وقالوا إنهم يعترفون أن عندهم في دينهم أشياء غير معقولة تلقوها عن قدمائهم، فهم يؤمنون بها من غير أن يفهموها. كما أن عند المسلمين في دينهم أشياء يعترفون بأنها غير مفهومة. ثم اقترحوا على المسلمين أن يلغوا فكرة الجهاد حتى يمكن للنصارى أن يتعايشوا مع المسلمين. ثم أذنوا للمسلمين بصلاة الجمعة في مسجد قرطبة لأول مرة من استيلاء النصارى عليه. ذلك ما وعته ذاكرتي من مقال نشرته مجلة"العربي" الكويتية، ولست أدري بماذا أجاب المسلمون الحاضرون.

ولعل من المناسب أن أذكر رأي الإسلام في بعض ما قاله الرهبان: إن ما وقع في إفريقيا الشمالية (المغرب العربي) بعد الفتح الإسلامي، من تخلي السكان عن النصرانية حتى لم يبق في البلاد نصراني واحد، فمن المقطوع به أن ذلك لم يكن ناشئًا عن جهاد ولا ضغط ولا إرغام، وإنما كان أمرًا تلقائيًّا، يمكن البحث عن سببه أو أسبابه خارج نطاق الجهاد والإكراه. ولعل من أسباب ذلك ما يتحدث عنه هذا الكتاب من صمود جماعة من مسلمي الأندلس طوال خمسمائة عام متمسكين بإسلامهم مستهينين بالأهوال التي تحدث عنها الكتاب.

وأما ما قالوه عن اللامعقول في المسيحية والإسلام فنحيلهم على كتابين، أحدهما"كتاب الملل والنحل"تأليف العالم القرطبي المسلم أبي محمد بن حزم، وهو أول كتاب وضع في علم تاريخ الأديان المقارن. وقد درسه جيدًا أو ترجمه إلى الإسبانية المستشرق القس أسين بلاثيوس، ونشرته الأكاديمية الملكية الإسبانية في مجريط في خمس مجلدات. وأما الكتاب الثاني فهو"الكتب المقدسة والعلم الحديث"تأليف الجراح الفرنسي المعاصر المسلم موريس بوكاي. هو مطبوع بالفرنسية في طبعة عادية وأخرى شعبية للجيب وبالعربية وبالإنجليزية.

وأما قولهم عن الجهاد، فنقول إنه تشريع اضطر إليه الإسلام للدفاع عن نفسه وعن المسلمين. والجهاد كما يكون بالسلام يكون بالحوار والمحاججة. وقد قال الله لرسوله عن القرآن:"وجاهدهم به جهادًا كبيرًا". وما يزال القرآن من أعظم الأسلحة التي لا تغلب. وقد دخل في الإسلام في هذا العصر ما لا يعد في مختلف أنحاء العالم ممن اطلعوا عليه مترجمًا إلى غير العربية، وأحيانًا تكون الترجمة غير دقيقة، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015