إحدى المدن فسلم عليهما وسألهما عن بلدهما. ولما عرف أنهما مغربيان استدعاهما لتناول طعام الفطور عنده وأعطاهما عنوانه. فلما ذهبا وجدا دارًا نظيفة مثل دور المسلمين، ورحبت بهما العائلة المحتشمة، وقالوا لهما: "إننا مسلمون نخفي إسلامنا ". ولم يفهم الشابان معنى لهذا.

وأخبرتني الدكتورة آمنة اللوه أنها كانت في الأندلس صحبة زوجها، صديقنا الأستاذ إبراهيم الألغي - رحمه الله -، فالتقيا في الطريق بأسرة أندلسية لاحظا أن نسائها يرتدين ثيابًا محتشمة، فتعارفا، وأخبرتهما أنهم مسلمون يخفون إسلامهم.

وقرأت في جريدة "النور" الإسلامية التي تصدر بتطوان مقالاً بقلم مديرها

صديقنا الدكتور إسماعيل الخطيب يتحدث فيه عن حضوره أول صلاة للعيد أقامها

المسلمون بمدينة غرناطة بعد إعلان الحرية الدينية بإسبانيا، وذكر أن من بين الذين

حضروا الصلاة شخص كان يحمل حقيبة أخرج منها ثوبًا إسلاميًّا لبسه بعد أن نزع

ثوبه النصراني، وأنه من المسلمين الذين كانوا يخفون إسلامهم. وقد اهتز كياني

واقشعرّ جلدي وأنا أقرأ هذا الخبر، وأسفت أسفًا شديدًا أن الدكتور لم يتصل بهذا

الرجل ويسأله عن شعوره في هذه المناسبة، وعن تجاربه الإسلامية في المرحلة

السابقة.

وبهذه المناسبة أشير إلى أن المكتبة الأندلسية، والإسلامية على العموم، في

حاجة أكيدة إلى معلومات وافية يُدلي بها هؤلاء الذين عاشوا هذه الحياة المزدوجة بين

النصرانية في العَلَن والإسلام في السّرّ. فإن استمرار جماعة من المسلمين الأندلسيين،

يعيشون مدة خمسة قرون حياة مزدوجة، يتظاهرون فيها بالنصرانية ويسرّون الإسلام،

مُتَعَرّضين في ذلك لمختلف الأخطار والأهوال التي تحدث عنها الكتاب ليعتبر ظاهرة

فريدة في المجتمع البشري، وخارقة للعادة بكل المقاييس، تبين بكل وضوح أن الدين

الإسلامي هو دين الفِطرة التي فطر الناس عليها، كما قال الله سبحانه، وهو أصدق

القائلين، وأنه استطاع أن يمتزج بأرواح وشغاف قلوب أفراد هذا الشعب الأندلسي

النبيل، رجالاً ونساء وأطفالاً، بدوًا وحضرًا، ويكون منهم أمة إسلامية حقيقية

استطاعت أن تحقق للإسلام هذه المعجزة العظمى، فتصمد في ميدان التحدّي خمسة

قرون، لا سلام لها إلا إيمانها الذي لا يغلب.

لقد تبيّن بما لم يبق معه شك ولا لَبْس ولا إبهام، أن جماعة من مسلمي

الأندلس الذين لم يغادروا الأندلس عندما استولى الصليبيون عليها، قد تنصروا ظاهرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015