حرب إبادة شرسة ضد المسلمين والإسلام، وحضارته وثقافته وعلومه، في معركة، استمرت عدة قرون. نعم عدة قرون.

وذلك ما يتحدّث عنه هذا الكتاب "انبعاث الإسلام في الأندلس "بقلم الدكتور علي بن المنتصر الكتاني، معتمدًا على حوالي خمسمائة مصدر أغلبها مصادر إسبانية بأسمائها وصفحاتها، وبذلك يملأ فراغاً في المكتبة العربية والإسلامية.

لقد قرر الطغاة الصليبيون منع الإسلام بالأندلس، فهاجر منها مَن هاجر من المسلمين، وهجروا مَن هجروا، وقرر مَن لم يهاجروا، أو بعضهم، أن يخضعوا للتنصير ظاهريًّا، ويحتفظوا بإسلامهم خفية، في انتظار أن يأتيهم الفرج من عند الله.

ولكن الكنيسة لم تنخدع، فكانت تحاكم مَن ظهر عليه إخفاء الإسلام، كالاغتسال أو الامتناع عن أكل الخنزير أو شرب الخمر، وقد تحكم عليه بإحراقه حيًّا في ساحة المدينة بحضور الجماهير! وأذكر بالمناسبة أنني قرأت عن رسالة جامعية قُدِّمت لكلية الآداب بجامعة محمد الخامس استنادًا إلى وثائق برتغالية عن محاكمة نساء بإخفائهن الإسلام. وقد تحدّث الشهاب الحجري عن تربية والده له على الكتمان، بتعاون مع أُمه وعمه، قبل أن يلقّنه العقيدة الإسلامية، وتوصيته بإخفاء ما يقوله عن أمه وعمه.

وإني لأذكر أني في أول زيارة لي في غرناطة كنت مارًّا بحيّ البيازين، فمررت بدار يدخلها السّوّاح، فدخلت معهم، ووجدت شابة جالسة في "برطال" الدار، وبين يديها "مرمة" تطرز فيها منديلاً طرز "الغرزة"، كأنما هي في دار فاسية. وقد لفت نظري أن الشابة كانت مقبلة على عملها من غير أن تبالي بالواقفين حولها أو ترفع رأسها للنظر إليهم. وخطر ببالي إذ ذاك أن ذلك من بقايا التربية الإسلامية التي كانت الفتيات المسلمات يتربين عليها، ولم يخطر لي ببال أنه ما يزال بالأندلس مسلمون يخفون إسلامهم.

وحدَّثني صديقنا الأديب الكبير خير الدين الزركلي - رحمه الله - أنه كان في زيارة للأشبونة واستدعاه أحد وجهائها، وأثناء الحديث قال له: "إننا ما نزال مسلمين نتوارثه عن جدودنا منذ العهد الإسلامي".

وأخبرني الدكتور محمد الناصري، أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن شابين سلاويين أخبراه أنهما كانا في إسبانيا، فلقيهما رجل في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015