به الناس، وارتزق منه فى أكثر أوقاته، وانتقل إلى حلب فأقام بمدرسة الحلاويين يرتزق على فقه أبى حنيفة، ثم قرّر له على إقراء العربية رزق فى جامعها، فأقرأ جماعة ما فيهم من جاد ولا ساد، وكان نحوه عجيبا فى براءته، يسقط منه ما يحترز منه الأطفال المبتدئون.
فمن ذلك أنه قعد مرة فى مجلس السلطان الملك الظاهر أبى الفتح غازى بن يوسف بن أيوب [1]- سقى الله عهده- لينشده قصيدة عيديّة- وكان شهر رمضان، وتذاكر حاضرو المجلس لفظة العيد، وما أصلها، فقال هو: أصلها «عود»، من عاد يعود، تحرك حرف العلة وانكسر ما قبله، فانقلبت ياء.
فقال له أحد نحاة حلب: لو كان أصلها «عود» لصحّت ولم تعلّ قياسا على «عوج»، وإنما أصلها «عود» سكن حرف العلّة وانكسر ما قبله، فقلبت ياء.
فأخذ فى المكابرة والمغالبة، وانفصل المجلس على أنه لم يقع فيه من يحقّق قول أحدهما من الآخر. ونزل إلى الجامع فى بكرة تلك الليلة، وتعاودوا المسألة، وشرقت القضية بينهما إلى أن تدافعا فى وسط الجامع، وفرق بينهما العوامّ.
وكان كثير الإعجاب بنفسه، يرى أنه لم يعرف حقّه، فلا يزال شاكيا متأوّها متعقّبا على القضاء والقدر. وكان مع هذا مذموم الطريقة فى الاستهتار [2] بشرب الخمر، واتخاذ علوج ليسوا بحسان الخلق، ينحشى فى محاش رديئة من محالّ الفسوق، ويخالط جماعة على ذلك. نعوذ بالله من النظر إليهم.