والعياذ بالله أن تقلب الغراب، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار، فضاقت الصدور من جامعين، وطارت القلوب من خافضين رافعين، ليل سواده أشد من سواد الغراب، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفاً من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان.

واتفق وصول أولهم إلى ساحل دمياط في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، ووصل الخبر بذلك إلى القاهرة في يوم الجمعة بعد الصلاة، ثم وصل سودون المحمدي مبشراً بقدومهم فاجتمع بالسلطان في يوم الاحد الثاني والعشرين منه، ثم تلاحق بقية العسكر، فمنهم من جرته الريح إلى ساحل دمياط كما تقدم، ومنهم من جرته إلى الإسكندرية، ونزل أكثرهم بساحل رشيد، ثم دخلوا بحر النيل فاستقبلهم الريح المريسية، فما تكامل مجيئهم إلا في يوم الأربعاء حادي عشر شعبان، فركبوا جميعاً ومعهم الأسرى والغنيمة إلى القلعة، وخلع عليهم، واجتمعوا بالسلطان يوم الخميس.

من الحوادث بعد سفر الغزاة

في أواخر جمادى الآخرة قدم زين الدين عبد الباسط الذي كان ناظر الجيش ومدبر المملكة في سلطنة الأشرف بعد أن استأذن في القدوم إلى السلطان زائراً، فأذن له فقدم، وهرع الناس إلى تلقيه وبالغوا في ذلك لما ظنوا من عوده إلى ما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015