أو من نصبه السلطان لهذا الأمر، لأن ذلك يفضي إلى الفتنة وإشاعة الفوضى (?)،

ويمكن القول إن معاوية ـ رضي الله عنه ـ كان مجتهداً متأولاً يغلب ظنه أن الحق معه فقد قام خطيباً في أهل الشام بعد أن جمعهم وذكّرهم أنه ولي عثمان ـ ابن عمه ـ وقد قتل مظلوماً، وقرأ عليهم الآية الكريمة ((وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)) (الإسراء، آية: 33). ثم قال أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان، فقام أهل الشام جميعهم وأجابوا إلى الطلب بدم عثمان، وبايعوه على ذلك، وأعطوه العهود والمواثيق على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم حتى يدركوا ثأرهم أو يفني الله أرواحهم (?). هذه الأحداث الجسام عاصرها الحسن بن علي وعرف موقف كل صحابي من الفتنة وكان ميالاً للصلح والسلم ما وجد إلى ذلك سبيلاً.

2 ـ نهي أمير المؤمنين علي عن شتم معاوية ولعن أهل الشام بعد معركة صفين:

نشب الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في صفين وقد فصلنا تلك الأحداث في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد اشتد القتال وتوجّه النصر فيها لأهل العراق على أهل الشام، وتفرقت صفوفهم، وكادوا أن ينهزموا، فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح وقالوا: هذا بيننا وبينكم قد فني الناس، فمن لثغور أهل الشام بعد أهل الشام، ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت، قالوا: نجيب إلى كتاب الله عز وجل وننيب إليه (?)، فالدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية وقبول التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة علي والبيعة له، تطور فرضته أحداث حرب صفين، إذ أن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاها جماعيا رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات (?)، فقد قبل أمير المؤمنين علي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015