معاوية وعليّ ـ رضي الله عنهما ـ من الحروب، فلم يكن لمنازعة معاوية لعليّ في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعليّ .. فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ابن عمّه فامتنع علي (?)، لقد تضافرت الروايات وأشارت إلى أنّ معاوية ـ رضي الله عنه ـ اتخذ موقفه للمطالبة بدم عثمان، وأنه صرح بدخوله في طاعة علي رضي الله عنه ـ إذا أقيم الحد على قتلة عثمان.
ولو افترض إنه اتخذ قضية القصاص والثأر لعثمان ذريعة لقتال علي طمعاً في السلطان، فماذا سيحدث لو تمكن علي من إقامة الحد على قتلة عثمان، حتماً ستكون النتيجة خضوع معاوية لعلي ومبايعته له، لأنه التزم بذلك في موقفه من تلك الفتنة، كما أن كل ما حارب معه كانوا يقاتلون على أساس إقامة الحد على قتلة عثمان، على أن معاوية إذا كان يخفي في نفسه شيئاً آخر لم يعلن عنه، سيكون هذا الموقف بالتالي مغامرة، ولا يمكن أن يقدم عليها إذا كان ذا أطماع (?). إن معاوية رضي الله عنه كان من كتّاب الوحي ومن سادة المسلمين المشهورين بالحلم ويكفيه شرف الصحبة، فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي ويهرق دماء المسلمين من أجل مُلْك زائل، وهو القائل: والله لا أخير بين أمرين، بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على ما سواه (?)، وقد ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال فيه: اللهم أجعله هادياً مهدياً وأهد به (?)،وقال: اللهم علمه الكتاب وقيه العذاب (?). أما وجه الخطأ في موقفه في مقتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ فيظهر في رفضه أن يبايع لعليّ ـ رضي الله عنه ـ قبل مبادرته إلى الاقتصاص من قتلة عثمان ويضاف إلى ذلك خوف معاوية على نفسه لمواقفه السابقة من هؤلاء الغوغاء وحرصهم على قتله بل ويلتمس منه أن يمكنه منهم، مع العلم أن الطالب للدم لا يصح أن يحكم، بل يدخل في الطاعة، ويرفع دعواه إلى الحاكم، ويطلب الحق عنده (?)، وقد اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتصّ من أحد ويأخذ حقه دون السلطان،