ووقفت مع صلح الحسن واعتبرته مشروعاً إصلاحياً عظيماً ولذلك قمت بطرحه وفق هذه الرؤية التي وضعها الحسن وقام بتنفيذها، فذكرت أهم المراحل التي مرّ بها الصلح وماذا حدث في كل مرحلة، وتأملت في أهم أسباب الصلح ودوافعه، كرغبة الحسن فيما عند الله، وحرصه على حقن دماء المسلمين ووحدة الأمة، وتحقيق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها من الدوافع والأسباب، وقد قمت بتوضيح أقوال الحسن التي كانت سبباً ودافعاً له على الصلح والتي تدل على فهمه العميق لمقاصد الشريعة الغراء. وتحدثت عن شروط الصلح التي تمت بين الحسن ومعاوية، والنتائج التي ترتبت عليه، وبرهنت بالأدلة التاريخية أن الحسن رضي الله عنه تنازل عن الخلافة لمعاوية من موقف قوة، وليس كما يزعم بعض المؤرخين. وتظهر عظمة الحسن بن علي من خلال تصرفاته ومواقفه في حياته والتي من أهمها تصوره للمشروع الإصلاحي وقدرته الفذة على التنفيذ، فكم من الناس يملكون تصورات ونظريات إصلاحية ولكنهم يعجزون على إسقاطها في دنيا الناس.
وقد ناقشت بعض الأكاذيب التاريخية في هذا الكتاب مثل زعم بعض المؤرخين أن الدولة الأموية في عهد معاوية عممت على منابرها شتم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فأثبتت بالبراهين والأدلة، والشواهد الصحيحة على بطلان هذه الفرية والتي التقطها بعض كتاب التاريخ دون إخضاعها للنقد والتحليل حتى صارت عند بعض المتأخرين من المسلمات التي لا مجال لمناقشتها وهي دعوة مفتقرة إلى صحة النقل وسلامة السند من الجرح والمتن من الاعتراض، ومعلوم وزن مثل هذه الدعوى عند المحققين والباحثين الجادين، علماً بأن التاريخ الصحيح يثبت احترام وتقدير معاوية لأمير المؤمنين على وأهل بيته الأطهار، كما بينت حقيقة التهم التي ألصقتها بعض كتب التاريخ بمعاوية واتهامه وابنه بدس السم للحسن وأثبت بأن ذلك لا يثبت من حيث السند والمتن معاً ومضيت مع الحسن بعد استقراره في المدينة وبعدما أصبح إمام ألفة الأمة، وقطب دائرتها وزعيم وحدتها بدون منافس قال الشاعر:
في روض فاطمة نما غصنان لم
لم ينجبهما في النيِّران سواها
فأمير قافلة الجهاد وقطب دائرة
الوئام والاتحاد أبناها