وأنه كان يقوم بذلك في دور مبكر من حياته، وكان إذا حج نزل عند الأعراب، وأغلب الظن أنه اتخذ هذا طريقه لإتقان اللغة وجمع الألفاظ والاستكثار من الأخبار والروايات، وهو يحدثنا أنه في إحدى المرات نزل على خرقاء صاحبة ذي الرمة، فوجدها امرأة طويلة حسّانةً بها فوه، فتحدث إليها، ولما سألته هل حججت أجاب ((غير مرة)) فداعبته لأنه يحج ولا يزورها مع إنها منسك من مناسك الحج، كما يقول ذو الرمة:

تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام (?) ولعل عطايا الخلفاء مكنته من أن يعيش فوق مستوى الكفاف، وأن يقتني ضيعة، وربما صح أن يقال إنه كان سخياً راعياً لحقوق الجوار، فنراه يهدي بعض جيرانه أضحية، فلا يتلقى من ذلك الجار عليها سوى التعريض اللاذع (?) .

وقد جعلته الحياة القائمة على الرواية طلعة كثير التسآل، لا في شؤون الشعر والأخبار بل في أمور الحياة عامة (?) ، ويدل حواره مع راوية الكميت (محمد ابن سهل) على أنه لم يكن يرضى بقبول شيء دون محاكمة؛ فقد وصف الكميت الرخمة بالكياسة مخالفاً كل من وصفها بالحمق (?) ، فيعلل محمد بن سهل ذلك بأن كيسها يظهر في حفظ فراخها واختيارها المساكن التي لا تبلغها سباع الطير، فيقول المفضل: نحن لا نعرف طائراً ألأم لؤماً ولا أقذر طعمة ولا أظهر موقاً منها، فيرد عليه ابن سهل منكراً حمقها، لأنها تحضن بيضها وتحمي فراخها وتحب ولدها وتقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع (?) . ولا ينتهي هذا الجدل - فيما يبدو - إلى اتفاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015