وتتفاوت المصادر المبكرة والمتأخرة في تصوير مدى ما كان يحسنه من علوم: فهو عند أبي الطيب اللغوي مختص بالشعر ولم يكن أعلم أهل بلده في اللغة والنحو (ولكن هذا لا ينفي أن له حظاً منهماً) بل إنه أقر - وهذا مستغرب - بأنه لا يحسن شيئاً من الغريب ولا من المعاني ولا تفسير الشعر وإنما يروي شعراً مجرداً (?) ، وهو قول تنقضه شواهد متعددة في المصادر كما ينقضه الأزهري بقوله: ((الغالب عليه رواية الشعر وحفظ الغريب (?)) ) وهو عند الزبيدي لا يحسن معنى بيت ولا يضبطه (?) . ونتقدم في الزمن فنجد الخطيب - وعنه ينقل السمعاني والقفطي - يعده ((علامة رواية للآداب والأخبار وأيام العرب)) (?) وقريب من ذلك قول ياقوت ((عالم بالأخبار والشعر والعربية)) (?) - ثم يصبح في المصادر التي جاءت بعد القرن السابع: إماماً في اللغة والنحو، مقرئاً نحوياً موثقاً، علامة في النسب (?) ، وهكذا ينعدم التمييز بين ما كان فيه مجلياً وما كان فيه مصلياً وما كان فيه سكيت رهان، وتستوي له ((الإمامة)) في الجميع، ومن الملاحظ أن المصادر المتأخرة (ما عدا كتب رجال الحديث والقراءات) لم تعد تشير إلى دوره في الحديث، سلباً وإيجاباً.

ومن الصعب أن يصدق المرء كيف يمكن لإنسان أن يروي الشعر دون أن يعرف معانيه أو تفسيره (والغريب جزء من ذلك) ثم يتفق له أن يختار ما يمكن أن يعد مجموعة جميلة من القصائد، بل يذهب في تفسيره أحياناً إلى عمق باطني رمزي، كما فعل عندما سئل عن معنى ((القمرين)) في بيت الفرزدق. بل إننا لو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015