مسألة

رسمت الحضرة العالية الوزيرية؛ أدام الله سلطانها، وأعلى أبدا شأنها ومكانها أن أذكر ما عندى فى إدخال لفظة «كان» فى كونه تعالى عالما فى مواضع كثيرة من القرآن.

وقالت حرس الله عزّها: لفظة «كان» إذا كانت للماضى؛ فكيف دخلت على ما هو ثابت فى الحال ومستمرّ دائم! وما الوجه فى حسن ذلك؟

والجواب المزيل للشّبهة أنّ الكلام قد تدخله الحقيقة والمجاز؛ ويحذف بعضه وإن كان مرادا، ويختصر حتى يفسّر؛ ولو بسط لكان طويلا. وفى هذه الوجوه التى ذكرناها تظهر فصاحته، وتقوى بلاغته؛ وكلّ كلام خلا من مجاز وحذف واختصار واقتصار بعد عن الفصاحة، وخرج عن قانون البلاغة. والأدلّة لا يجوز فيها مجاز، ولا ما يخالف الحقيقة؛ وهى القاضية على الكلام، والتى يجب بناؤه عليها؛ والفروع أبدا تبنى على الأصول.

فإذا ورد عن الله تعالى كلام ظاهره يخالف ما دلّت عليه أدلّة العقول وجب صرفه عن ظاهره- إن كان له ظاهر- وحمله على ما يوافق الأدلة العقلية ويطابقها؛ ولهذا رجعنا فى ظواهر كثيرة من كتاب الله تعالى اقتضى ظاهرها الإجبار أو التشبيه، أو ما لا يجوز عليه تعالى.

ولو سلّمنا تبرّعا وتطوّعا أن دخول «كان» على العلم أو القدرة يقتضي ظاهرها الماضى دون المستقبل لحملنا ذلك على أنّ المراد به الأحوال كلّها؛ لأنّ الأدلة العقلية تقضى على ما يطلق من الكلام، ولا يقضى الكلام على الأدلة.

غير أنّا نبيّن أنّ دخول «كان» على العلم أو القدرة لا يقتضي ظاهرها الاختصاص بالماضى دون المستقبل؛ فإنّ لأهل العربية فى ذلك مذهبا معروفا مشهورا؛ لأن أحدهم يقول: كنت العالم؛ وما كنت إلا عالما، وعليما خبيرا؛ وما كنت إلا الشجاع، وإلا الجواد؛ ويريدون بذلك كلّه الإخبار عن الأحوال كلّها؛ ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ ولا يفهم من كلامهم سوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015