ذلك؛ وإذا كانت هذه عبارة عما ذكرناه فصيحة بليغة- والقرآن نزل بأفصح اللغات وأبلغها وأبرعها- وجب حمل لفظة «كان» إذا دخلت فى كونه تعالى عالما وقادرا على ما ذكرنا.
ومما يستشهد به على ذلك قول زياد الأعجم يرثى المغيرة بن المهلّب بن أبى صفرة:
مات المغيرة بعد طول تعرّض … للقتل بين أسنّة وصفائح (?)
ألّا ليالى فوقه بزّاته … يغشى الأسنة فوق نهد قارح! (?)
فإذا مررت بقبره فاعقر به … كوم المطىّ وكلّ طرف سابح (?)
وانضح جوانب قبره بدمائها … فلقد يكون أخا دم وذبائح
فقال فى ميت قد مضى لسبيله: «فلقد يكون»، وإنما أراد: «فلقد كان»، فعبّر بيكون عن «كان»؛ كذلك جاز أن يراد بلفظة «كان» الأحوال المستقبلة.
ووجه آخر وهو أنه تعالى لما أراد أن يخبر عن كونه عالما فى الأحوال كلّها لم يجز أن يقول:
هو عالم فى الحال أو فى المستقبل؛ لأن ذلك لا ينبئ عن كونه عالما فيما مضى؛ فعدل عن ذلك إلى إدخال لفظة: «كان» الدالة على الأزمان الماضية كلها، ومن كان عالما فيما لم يزل من الأحوال فلا بدّ من كونه عالما لنفسه وذاته؛ لأن الصفات الواجبة فيما لم يزل لا تكون إلّا نفسية، والصفات النفسية يجب ثبوتها فى الأحوال كلّها: الماضية والحاضرة والمستقبلة؛ فصار دخول «كان» فى العلم أو القدرة مطابقا للغرض، وموجبا لثبوت هذه الصفة فى جميع هذه الأحوال، وليس كذلك لو علّق العلم بالحال أو المستقبل؛ وهذا وجه جليل الموقع.
ووجه آجر وهو أنا إذا سلّمنا أن لفظة «كان» تختص الماضى ولا تتعدّاه لم يكن فى