ما يستعمل هذا الوجه بتكرير لفظ «لا»؛ كما قال سبحانه: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى؛ [القيامة: 31] أى لم يصدّق ولم يصلّ، وكما قال الحطيئة:
وإن كانت النّعماء فيهم جزوا بها … وإن أنعموا، لا كدّروها ولا كدّوا (?)
وقلّما يستعمل هذا المعنى من غير تكرير لفظ؛ لأنهم لا يقولون: لا جئتنى وزرتنى؛ يريدون: ما جئتنى؛ فإن قالوا: لا جئتنى ولا زرتنى صلح؛ إلا أن فى الآية ما ينوب مناب التكرار ويغنى عنه، وهو قوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا؛ فكأنه قال: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، ولا آمن؛ فمعنى التكرار حاصل.
والوجه الآخر: أن تكون «لا» جارية مجرى الدعاء؛ كقولك: لا نجا ولا سلم، ونحو ذلك.
وقال قوم: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ أى فهلّا اقتحم العقبة! أو أفلا اقتحم العقبة! قالوا:
ويدل على ذلك قوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ، ولو كان أراد النفى لم يتصل الكلام.
وهذا الوجه ضعيف جدا، لأن قوله تعالى: فَلَا خال من لفظ الاستفهام، وقبيح حذف حرف الاستفهام فى مثل هذا
الموضع، وقد عيب على عمر بن أبى ربيعة قوله:
ثمّ قالوا: تحبّها؟ قلت: بهرا … عدد القطر والحصى والتراب (?)
فأما الترجيح بأن الكلام لو أريد به النفى لم يتصل فقد بيّنا أنه متصل، مع أنّ المراد به النفى؛ لأن قوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا معطوف على قوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، أى فلا اقتحم العقبة، ثم كان من الذين آمنوا. والمعنى أنه ما اقتحم العقبة ولا آمن؛ على ما بينا.
فأما المراد بالعقبة فاختلف فيه، فقال قوم: هى عقبة ملساء فى جهنم، واقتحامها فكّ رقبة.
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «إن أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون (?)، وأنا أريد أن أتخفف لتلك العقبة»: وروى عن ابن عباس أنه قال: هى عقبة كئود فى