وروى أنه قيل لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام: إن ناسا (?) يقولون فى قوله: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ: إنهما الثديان، فقال عليه السلام: لا، إنهما الخير والشر.
وروى عن الحسن أنه قال: بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «أيها الناس، إنهما نجدان: نجد الخير ونجد الشر، فما جعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير».
وروى عن قوم آخرين أنّ المراد بالنّجدين ثديا الأم.
فإن قيل: كيف يكون طريق الشر مرتفعا كطريق الخير، ومعلوم أنه لا شرف ولا رفعة فى الشر؟
قلنا: يجوز أن يكون إنما سماه نجدا لظهوره وبروزه لمن كلّف اجتنابه؛ ومعلوم أن الطريقتين جميعا باديان ظاهران للمكلفين. ويجوز أيضا أن يكون سمّى طريق الشر نجدا من حيث يحصل فى اجتناب سلوكه والعدول عنه
الشرف والرفعة؛ كما يحصل مثل ذلك فى سلوك طريق الخير؛ لأن الثواب الحاصل فى اجتناب طريق الشر كالثواب فى سلوك طريق الخير.
وقال قوم: إنما أراد بالنجدين أنا بصّرناه وعرفناه ماله وعليه، وهديناه إلى طريق استحقاق الثواب؛ وثنىّ النجدين على عادة العرب فى تثنية الأمرين إذا اتفقا فى بعض الوجوه، وأجرى لفظة أحدهما على الآخر، كما قيل فى الشمس والقمر: القمران، قال الفرزدق:
* لنا قمراها والنّجوم الطّوالع (?) *
ولذلك نظائر كثيرة.
فأما قوله تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ؛ ففيه وجهان:
أحدهما أن يكون فَلَا بمعنى الجحد وبمنزلة «لم»، أى فلم يقتحم العقبة؛ وأكثر