به فمن أدرك الشهر وشاهده وبلغ إليه وهو متكامل الشروط فليصمه، ذهب فى معنى شَهِدَ إلى معنى الإدراك والمشاهدة.
وقد طعن قوم على تأويل أبى عليّ وقالوا: ليس يحتمل الكلام إلّا الوجه الأول.
وليس الأمر على ما ظنوه؛ لأن الكلام يحتمل الوجهين معا؛ وإن كان للقول الأول ترجيح ومزية على الثانى من حيث يحتاج فى الثانى من الإضمار إلى أكثر مما يحتاج إليه فى الأول؛ لأن على القول الأول لا يحتاج إلى إضمار الإقامة وارتفاع السفر؛ لأن قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ يقتضي الإقامة؛ وإنما يحتاج إلى إضمار باقى الشروط من الإمكان والبلوغ وغير ذلك.
وفى القول الثانى يحتاج مع كلّ ما أضمرناه فى القول الأول إلى إضمار الإقامة؛ ويكون التقدير: فمن شاهد الشهر وهو مقيم مطيق بالغ إلى سائر الشروط؛ فمن هذا الوجه كان الأول أقوى.
وليس لأحد أن يقول: إن شَهِدَ بنفسه من غير محذوف لا يدلّ على إقامة؛ وذلك أنّ الظاهر من قولهم فى اللغة: فلان شاهد إذا أطلق ولم يضف أفاد الإقامة فى البلد؛ وهو عندهم ضدّ الغائب والمسافر؛ وإن كانوا ربما أضافوا فقالوا: فلان شاهد لكذا، وشهد فلان كذا؛ ولا يريدون هذا المعنى؛ ففى إطلاق شَهِدَ دلالة على الإقامة من غير تقدير محذوف؛ وهذه جملة كافية بحمد الله.
*** قال سيدنا أدام الله علوّه: وجدت أبا العباس بن عمّار يعيب على أبى تمام فى قوله:
لمّا استحرّ الوداع المحض وانصرمت … أواخر الصّبر إلا كاظما وجما (?)
رأيت أحسن مرئىّ وأقبحه … مستجمعين لى: التّوديع والعنما
/ قال أبو العباس: وهذا قد ذمّ مثله على شاعر متقدم؛ وهو أن جمع بين كلمتين احداهما لا تناسب الأخرى؛ وهو قول الكميت:
وقد رأينا بها حورا منعّمة … رودا تكامل فيها الدّلّ والشّنب