وحسد الفرزدق على الشعر وإعجابه بجيده من أدلّ دليل على حسن نقده له وقوة بصيرته فيه، وأنّه كان يطرب للجيّد منه فضل طرب، ويعجب منه فضل عجب. ويدلّ أيضا على إنصافه فيه، وأنه مستقلّ للكثير الصادر من جهته، فإن كثيرا من الناس قد يبلغ بهم الهوى فى الإعجاب والاستحسان لما يظهر منهم فى شعر أو فضل إلى أن يعموا عن محاسن غيرهم فيستقلّوا منهم الكثير، ويستصغروا الكبير.
ولأبيات الفرزدق التى ذكرناها خبر مشهور متداول، أخبرنا أبو عبيد الله المرزبانىّ قال أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة عن يونس قال:
دخل الفرزدق على سليمان (?) بن عبد الملك وعنده نصيب الشاعر، فقال له سليمان أنشدنى، فأنشده الأبيات التى تقدم ذكرها، فاسودّ وجه سليمان وغاظه/ فعله، وكان يظن أنه ينشده مديحا له، فلمّا رأى نصيب ذلك قال: ألا أنشدك؟ فأنشده: