وقال قطرب: معنى كانَ هاهنا معنى صار؛ فكأن المعنى: وكيف نكلّم من صار فى المهد صبيا، ويشهد بذلك قول زهير:
أجزت إليه حرّة أرحبيّة … وقد كان لون اللّيل مثل الأرندج (?)
وقال غيره: كانَ هاهنا بمعنى خلق ووجد؛ كما قالت العرب: كان الحرّ، وكان البرد؛ أى وجدا وحدثا.
وقال قوم: لفظة كانَ وإن أريد بها الماضى فقد يراد بها الحال والاستقبال؛ كقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ [آل عمران: 110]، أى أنتم كذلك، وقوله تعالى: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: 73] وقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً؛ [النساء: 17]؛ وإن كان قد قيل فى هذه الآية الأخيرة غير هذا؛ قيل إن القوم شاهدوا من آثار علمه وحكمته تعالى ما شاهدوا، فأخبرهم أنه لم يزل عليما حكيما، أى فلا تظنّوا أنه استفاد علما وحكمة لم يكن عليهما.
ومما يقوى مذهب/ من وضع لفظة الماضى فى موضع الحال والاستقبال قوله تعالى:
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة: 110]، وقوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ؛ [الأعراف: 44]؛ وقولهم فى الدعاء: غفر الله لك، وأطال بقاءك! وما جرى مجرى ذلك.
ومعنى الكلّ يفعل الله ذلك بك؛ إلّا أنه لما أمن اللبس وضع لفظ الماضى فى موضع المستقبل، قال الشاعر: