وجوّ زاهر للرّيح فيه … نسيم لا يروع التّرب، وان (?)
بها سقت الشّباب إلى مشيب … يقبّح عندنا حسن الزّمان
وأنشد إبراهيم بن إسحاق الموصلىّ:
ألا يا حبّذا جنبات سلمى … وجاد بأرضها جون السّحاب!
خلعت بها العذار ونلت فيها … مناى بطاعة أو باغتصاب
أسوم بباطلى طلبات لهوى … ويعذرنى بها عصر الشّباب
فكلّ هؤلاء على ما ترى قد أفصحوا بأن سبب حنينهم إلى الأوطان ما لبسوه فيها من ثوب الشباب، واستظلوه من ظلّه، وأنضوه من رواحله، وأنه كان يعذرهم ويحسن قبائحهم.
فعلى أى شيء يغلو الناس فى قول ابن الرومى:
وحبّب أوطان الرّجال إليهم … مآرب قضّاها الشّباب هنالكا (?)
إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم … عهود الصّبا فيها فحنّوا لذلكا
ويزعمون أنه سبق إلى ما لم يسبق إليه، وكشف عن هذا المعنى مستورا، ووسم غفلا! وقوله وإن كان جيد المعنى سليم اللفظ، فلم يزد فيه على من تقدم ولا أبدع، بل اتبع؛ ولكن الجيد إذا ورد ممّن يعهد منه الردئ كثر استحسانه؛ وزاد استطرافه.
ولقد أحسن البحترىّ فى قوله فى هذا المعنى:
فسقى الغضى والنّازلية وإن هم … شبّوه بين جوانح وقلوب (?)
وقصار أيّام به سرقت لنا … حسناتها من كاشح ورقيب
خضر تساقطها الصّبا فكأنّها … ورق يساقطه اهراز قضيب