ويزرى عليها؛ والعرب قد تقيم الشيء مقام ما قاربه فى معناه، فتجرى اسمه عليه؛ قال الشاعر:
كم أناس فى نعيم عمّروا … فى ذرى ملك تعالى فبسق
سكت الدّهر زمانا عنهم … ثمّ أبكاهم دما حين نطق
والسكوت والنطق على الحقيقة لا يجوزان على الدهر؛ وإنما شبّه تركه الحال على ما هى (?) / عليه بالسكوت، وشبه تغييره لها بالنطق. وأنشد الفراء:
إنّ دهرا يلفّ شملى بجمل … لزمان يهمّ بالإحسان
ومثل ذلك فى الاستعارة لتقارب المعنى قوله:
سألتنى بأناس هلكوا … شرب الدّهر عليهم وأكل (?)
وإنما أراد بالأكل والشرب الإفساد لهم، والتغيير لأحوالهم، ومنه قول الآخر:
يقرّ بعينى أن أرى باب دارها … وإن كان باب الدّار يحسبنى جلدا
والجواب الثانى أن يكون معنى الاستهزاء المضاف إليه عز وجلّ أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون ولا يشعرون.
ويروى عن ابن عباس أنه قال فى معنى استدراجه إياهم: إنهم كلّما أحدثوا خطيئة جدّد لهم نعمة؛ وإنما سمّى هذا الفعل استهزاء من حيث غيّب عنهم من الاستدراج إلى الهلاك غير ما أظهر لهم من النعم؛ كما أن المستهزئ منّا،
المخادع لغيره يظهر أمرا؛ ويضمر غيره.
فإن قيل: على هذا الجواب فالمسألة قائمة، وأىّ وجه لأن يستدرجهم بالنعمة إلى الهلاك؟
قلنا: ليس الهلاك هاهنا هو الكفر، وما أشبهه من المعاصى التى يستحقّ بها العقاب؛ وإنما يستدرجهم إلى الضرر والعقاب الّذي استحقوه بما تقدّم من كفرهم؛ ولله تعالى أن يعاقب