مجلس آخر 62
إن سأل سائل عن قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ؛ [البقرة: 15].
فقال كيف أضاف الاستهزاء إليه تعالى؛ وهو مما لا يجوز فى الحقيقة عليه؟ وكيف خبّر [بأنهم فى الطّغيان والعمه] (?) وذلك بخلاف مذهبكم؟
الجواب، قلنا: فى قوله تعالى اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وجوه:
أولها أن يكون معنى الاستهزاء الّذي أضافه تعالى إلى نفسه تجهيله لهم وتخطئته إياهم فى إقامتهم على الكفر وإصرارهم على الضلال؛ وسمّى الله تعالى ذلك استهزاء مجازا وتشبيها (?)؛ كما يقول القائل: إن فلانا ليستهزأ به
منذ اليوم، إذا فعل فعلا عابه الناس به، وخطّئوه فيه (?) فأقيم عيب الناس على ذلك الفعل، وإزراؤهم على فاعله مقام الاستهزاء به؛ وإنما أقيم مقامه لتقارب ما بينهما فى المعنى؛ لأن الاستهزاء الحقيقى هو ما يقصد به إلى عيب المستهزأ به، والإزراء عليه، وإذا تضمنت التخطئة والتجهيل والتبكيت هذا المعنى جاز أن يجرى عليه اسم الاستهزاء؛ ويشهد بذلك قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها؛ [النساء: 140]؛ ونحن نعلم أن الآيات لا يصحّ عليها الاستهزاء على الحقيقة ولا السخرية؛ وإنما المعنى: إذا سمعتم آيات الله يكفر بها