المستحق بما يشاء أىّ وقت شاء؛ فكأنه تعالى لمّا كفروا وبدّلوا نعمة الله، وعاندوا رسله لم يغيّر نعمه عليهم فى الدنيا؛ بل أبقاها لتكون- متى نزعها عنهم، وأبدلهم بها نقما- الحسرة منهم أعظم، والضرر عليهم أكثر.
فإن قيل: فهذا يؤدّى إلى تجويز أن يكون بعض ما ظاهره ظاهر النعمة على الكفار مما لا يستحق الله به الشكر عليهم.
قلنا: ليس يمتنع هذا فيمن استحقّ العقاب؛ وإنما المنكر أن تكون النعم المبتدأة بهذه الصفة على ما يلزمه مخالفنا، ألا ترى أن الحياة وما جرى مجراها من حفظ التركيب، والصحة لا تعدّ على أهل النار نعمة؛ وإن كانت على أهل الجنة نعما من حيث كان الغرض فيه إيصال العقاب إليهم.
والجواب الثالث أن يكون معنى استهزائه بهم/ أنّه جعل لهم بما أظهروه من موافقة أهل الإيمان ظاهر أحكامهم؛ من نصرة ومناكحة وموارثة ومدافنة، وغير ذلك من الأحكام؛ وإن كان تعالى معدّا لهم فى الآخرة أليم العقاب لما أبطنوه من النفاق، واستسرّوا به من الكفر؛ فكأنه تعالى قال: إن كنتم أيها المنافقون بما تظهرونه للمؤمنين من المتابعة والموافقة، وتبطنونه من النفاق، وتطلعون عليه شياطينكم إذا خلوتم بهم تظنون أنكم مستهزءون؛ فالله تعالى هو المستهزئ بكم من حيث جعل لكم أحكام المؤمنين ظاهرا؛ حتى ظننتم أنّ لكم ما لهم، ثمّ ميّز بينكم فى الآخرة ودار الجزاء؛ من حيث أثاب المخلصين الذين يوافق ظواهرهم بواطنهم، وعاقب المنافقين. وهذا الجواب يقرب معناه من الجواب الثانى؛ وإن كان بينهما خلاف من بعض الوجوه.
والجواب الرابع أن يكون معنى ذلك أن الله هو الّذي يردّ استهزاءكم ومكركم عليكم؛ وأنّ ضرر ما فعلتموه لم يتعدكم؛ ولم يحط بسواكم؛ ونظير ذلك قول القائل: إن فلانا أراد أن يخدعنى فخدعته؛ وقصد إلى أن يمكر بى فمكرت به؛ والمعنى أنّ ضرر خداعه ومكره