ولا يريد أنّه فعل بنفسه فعله. والمعنى فى ذلك ظاهر؛ لأن ما وقع بتوفيق الله تعالى ودلالته وهدايته ومعونته وألطافه قد يصح إضافته إليه فعلى هذا صحت إضافة النجاة إليه تعالى.
ويمكن أيضا أن يكون مضيفا لها من حيث ثبّط عنهم الأعداء، وشغلهم عن طلبهم؛ وكل هذا يرجع إلى المعونة؛ فتارة تكون بأمر يرجع إليهم، وتارة بأمر يرجع إلى أعدائهم.
فإن قيل: كيف يصحّ أن يقول: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ فيخاطب بذلك من لم يدرك فرعون ولا نجا من شره؟
قلنا: ذلك معروف مشهور فى كلام العرب؛ وله نظائر؛ لأن العربىّ قد يقول مفتخرا على غيره: قتلناكم يوم عكاظ (?) وهزمناكم؛ وإنما يريد أنّ قومى فعلوا ذلك بقومك.
قال الأخطل يهجو جرير بن عطية:
/ ولقد سما لكم الهذيل فنالكم … بإراب حيث يقسّم الأنفالا (?)
فى فيلق يدعو الأراقم لم تكن … فرسانه عزلا ولا أكفالا (?)
ولم يلحق جرير الهذيل؛ ولا أدرك اليوم الّذي ذكره؛ غير أنّه لما كان يوم من أيام قوم الأخطل على قوم جرير، أضاف الخطاب إليه وإلى قومه؛ فكذلك خطاب الله تعالى بالآية إنما توجّه إلى أبناء من نجّى من آل فرعون وأحلافهم. والمعنى: وإذ نجينا آباءكم وأسلافكم؛ والنعمة على السلف نعمة على الخلف.
***