والشر، وقال قوم: أصل البلاء فى كلام العرب الاختبار والامتحان، ثم يستعمل فى الخير والشر؛ لأن الاختبار والامتحان قد يكون فى الخير والشر جميعا، كما قال تعالى:
وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ؛ [الأعراف: 168]، يعنى اختبرناهم، وكما قال تعالى:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً؛ [الأنبياء: 35]، فالخير يسمى بلاء، والشر يسمى بلاء؛ غير أن الأكثر فى الشر أن يقال: بلوته أبلوه بلاء، وفى الخير: أبليته أبليه إبلاء وبلاء؛ وقال زهير فى البلاء الّذي هو الخير:
/ جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم … وأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو (?)
فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعمة التى يختبر بها عباده. وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره عن آل فرعون من ذبح الأبناء وغيره إلى نفسه، وهو قد ذمّهم عليه، ووبّخهم! وكيف يكون ذلك من فعله؛ وهو تعالى قد عدّ تخليصهم منه نعمة عليهم! وكان يجب على هذا أن يكون إنما نجاهم من فعله تعالى بفعله، وهذا مستحيل لا يعقل ولا يحصل؛ على أنّه يمكن أن ترد قوله: ذلِكُمْ إلى ما حكاه عن آل فرعون من الأفعال القبيحة؛ ويكون المعنى: فى تخليته بين هؤلاء وبينكم، وتركه منعهم من إيقاع هذه الأفعال بكم بلاء من ربّكم عظيم؛ أى محنة واختبار لكم.
والوجه الأول أقوى وأولى، وعليه جماعة من المفسرين.
وروى أبو بكر الهذلىّ عن الحسن فى قوله تعالى: وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، قال: نعمة عظيمة؛ إذ أنجاكم من ذلك؛ وقد روى مثل ذلك عن ابن عباس والسّدّيّ ومجاهد وغيرهم.
فأما إضافة النّجاة إليه وإن كانت واقعة بسيرهم وفعلهم؛ فلو دلّ على ما ظنّوه لوجب إذا قلنا: إنّ الرسول أنقذنا من الشّكّ، وأخرجنا من الضلالة إلى الهدى، ونجّانا من الكفر أن يكون فاعلا لأفعالنا.
وكذلك قد يقول أحدنا لغيره: أنا نجيتك من كذا وكذا، واستنقذتك وخلصتك،