مجلس آخر 51
إن سأل سائل فقال: ما تأويل قوله تعالى: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ؛ [آل
عمران: 8].
أوليس ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى يجوز أن يزيغ القلوب عن الإيمان حتى تصحّ مسألته تعالى ألّا يزيغها، ويكون هذا الدعاء مفيدا؟
الجواب، قلنا فى هذه الآية وجوه:
أوّلها أن يكون المراد بالآية: ربنا لا تشدّد علينا المحنة فى التكليف، ولا تشق علينا فيه، فيفضى بنا ذلك إلى زيغ القلوب منّا بعد الهداية؛ وليس يمتنع أن يضيفوا ما يقع من زيغ قلوبهم عند تشديده تعالى عليهم المحنة إليه؛ كما قال عز وجل فى السورة: إنّها (?) زادتهم رجسا إلى رجسهم، وكما قال مخبرا عن نوح عليه السلام: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً؛ [نوح: 6].
فإن قيل: كيف يشدّد عليهم فى المحنة؟
قلنا: بأن يقوّى شهواتهم، لما قبحه فى عقولهم، ونفورهم (?) عن الواجب عليهم، فيكون التكليف عليهم بذلك شاقا، والثواب المستحقّ عليهم عظيما متضاعفا وإنما يحسن أن يجعله شاقا تعريضا لهذه المنزلة.
وثانيها أن يكون ذلك دعاء بالتثبيت لهم على الهداية، وإمدادهم بالألطاف التى معها يستمرّون على الإيمان.
فإن قيل: وكيف يكون مزيغا لقلوبهم بألّا يفعل اللّطف؟