قلنا: من حيث كان المعلوم أنه متى قطع إمدادهم بألطافه وتوفيقاته زاغوا وانصرفوا عن الإيمان. ويجرى هذا مجرى قولهم: اللهم لا تسلّط علينا من لا يرحمنا؛ معناه لا تخلّ بيننا وبين من لا يرحمنا فيتسلّط علينا؛ ومثله قول الشاعر:
أتانى ورحلى بالمدينة وقعة … لآل تميم أقعدت كلّ قائم
أراد: قعد لها كل قائم؛ فكأنهم قالوا: لا تخلّ بيننا وبين نفوسنا وتمنعنا ألطافك، فنزيغ ونضلّ.
وثالثها ما أجاب به أبو عليّ الجبائى محمد بن عبد الوهاب، لأنه قال: المراد بالآية ربّنا لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك. ومعنى هذا السؤال أنهم سألوا الله تعالى أن يلطف لهم فى فعل الإيمان؛ حتى يقيموا عليه ولا يتركوه فى مستقبل عمرهم، فيستحقوا بترك الإيمان أن تزيغ قلوبهم عن الثواب، وأن يفعل بهم بدلا منه العقاب.
فإن قال قائل: فما هذا الثواب الّذي هو فى قلوب المؤمنين؛ حتى زعمتم أنّهم سألوا الله تعالى ألّا يزيغ قلوبهم عنه؟ وأجاب بأنّ من الثواب الّذي فى قلوب المؤمنين ما ذكره الله تعالى من الشرح والسّعة بقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ؛ [الأنعام: 125]؛ وقوله تعالى لرسوله/ عليه وآله السلام: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: 1] وذكر أن ضدّ هذا الشرح هو الضّيق والحرج اللّذان يفعلان بالكفار عقوبة، قال: ومن ذلك أيضا التطهير الّذي يفعله فى قلوب المؤمنين، وهو الّذي منعه الكافرين، فقال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ؛ [المائدة: 41].
قال: ومن ذلك أيضا كتابته الإيمان فى قلوب المؤمنين، كما قال الله تعالى: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: 22] وضدّ هذه الكتابة هى سمات الكفر التى فى قلوب الكافرين؛ فكأنهم سألوا الله تعالى ألّا يزيغ قلوبهم عن هذا الثواب إلى ضده من العقاب.