من ثمار الأشجار العاطفة على النهر؛ فاكهة موقوفة عليهم، ولغيرهم ممن تحمل السفن؛ وقدّروا ما تغلّه هذه الفرى بأربعة وعشرين ألف دينار فى العام.
وقد تمكّن بفضل هذه الثروة من أن يعيش فى داره مكفول الرّزق، مقضىّ الحاجات، لا يشغله ما يشغل غيره من شئون الدنيا ومطالب الحياة؛ ولا يصرفه شيء عن القراءة والدرس والتصنيف والفتيا؛ بل إنه تمكن من أن يقضى حاجة قلبه من البرّ بالناس، ومواصلتهم، والعطف عليهم؛ وخاصة من كان يمت إلى العلم بصلة، أو يدلى إليه برحم ماسّة، فكان منزله دارا للضيافة، ومدرسة للتعلم والمدارسة، ينقطع فيه التلاميذ والطلاب والمريدون، ويستروح فى رحابه الوافدون من شتى الجهات، بعد أن يكون قد أدماهم السير وأكلّهم السّرى؛ بل إنه جعل للكثير من تلاميذه مرتبات منظمة؛ وحبوسا موقوفة عليهم؛ كان أبو جعفر الطوسى (?) من تلاميذه المنقطعين إليه، فأجرى عليه اثنى عشر دينارا فى كل شهر، فى ثلاثة وعشرين عاما قضاها فى صحبته إلى أن مات، وكذلك رتب للقاضى عبد العزيز بن البراج (?) ثمانية عشر دينارا فى الشهر؛ وغيرهما كثير. ووقف قرية كاملة؛ يجرى خيرها
على كاغذ للفقهاء خاصة؛ رغبة فى النفع، وبثّ العلم فى الناس.
وروى أنه أصاب الناس قحط شديد فاحتال رجل يهودىّ على تحصيل قوت يحفظ نفسه ففزع إليه؛ وشفاعته الرغبة فى العلم. واستأذنه أن يقرأ عليه شيئا من علم النجوم؛ فأذن له، وأمر بجائزة تجرى عليه فى كل يوم، فقرأ عليه برهة ثم أسلم.
ومن هذه البابة أيضا ما حكاه ابن خلكان عن أبى زكريا التبريزىّ أن أبا الحسن على ابن أحمد بن سلك الفالى الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد فى غاية الجودة»