فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها فوجد بها أبياتا بخط بائعها أبى الحسين الفالى؛ وهى:
أنست بها عشرين حولا وبعتها … لقد طال وجدى بعدها وحنينى
وما كان ظنى أننى سأبيعها … ولو خلّدتنى فى السجون ديونى
ولكن لضعف وافتقار وصبية … صغار عليهم تستهلّ شئونى
فقلت ولم أملك سوابق عبرة … مقالة مكوىّ الفؤاد حزين
«وقد تخرج الحاجات يا أم مالك … كرائم من ربّ بهن ضنين»
فأرجع إليه النسخة؛ وترك الدنانير؛ جريا على عادته من صلته أهل العلم، وبره بهم.
*** وقد اجتمع إليه من فنون العلوم وضروب الآداب ما قلّ أن يجتمع لسواه؛ وضرب فيها جميعها بسهم وافر؛ فكان فقيها انتهت إليه رئاسة الإمامية فى عصره؛ بعد أن درس الأصول، ومحّض الحقائق، واستخرج المسائل، ونصب نفسه بعد ذلك للفتيا، فشدّت إليه الرحال، ووفدت إليه الناس من كل صقع، ووضع لكلّ كتابا؛ فهذه المسائل الديلمية، وتلك المسائل الطوسية، وهذه المسائل المصرية والموصلية وهكذا. وحذق علم الكلام وأصول الجدل، فحاجّ النظراء والمتكلمين، وناظر المخالفين؛ وكتابه الشافى حجة على طول باعه فى الجدل. وله فى تفسير القرآن وتأويل الكتاب ما كشف به عن بحر لا يسبر غوره؛ ولا ينال دركه؛ وقد حفظ من أخبار العرب
وأشعارهم ولغتهم ما جعله فى الرعيل الأول من الرواة والحفاظ والأدباء؛ وبكل هذا كان إمام عصره غير مدافع؛ قال ابن بسام: «كان هذا الشريف إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق؛ إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها؛ مما سارت أخباره، وعرفت أشعاره، وحمدت فى ذات الله مآثره؛ إلى تواليفه فى الدين، وتصانيفه فى أحكام المسلمين، ممن يشهد أنه قرع