قال سيدنا أدام الله أيامه: والّذي نقوله إن ما طعن به ابن الأنبارىّ على كلام ابن قتيبة متوجّه؛ وليس فى ذكر البيضة والحبل تكثير كما ظنّ؛ فيشبه العقد والجراب من المسك؛ غير أنه يبقى فى ذلك أن يقال: أىّ وجه لتخصيص البيضة والحبل بالذكر، وليس هما النهاية فى التقليل؛ وإن كان كما ذكره ابن الأنبارىّ؛ من أنّ المعنى أنه يسرق ولا يستغنى به؛ فليس ذكر ذلك بأولى من غيره؛ ولا بدّ من ذكر وجه فى ذلك.
وأما تأويل ابن قتيبة فباطل لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجوز أن يقول ما حكاه عند سماع قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ؛ لأن الآية مجملة مفتقرة إلى بيان؛ ولا يجوز أن يحملها أو يصرفها إلى بعض محتملاتها دون بعض بلا دلالة؛ على أنّ أكثر من قال: إن الآية غير مجملة، وأن ظاهر القول يقتضي العموم يذهب إلى أن ما اقتضى تخصيصها بسارق دون سارق لم يتأخر عن حال الخطاب بها؛ فكيف يصحّ ما قاله ابن الأنبارىّ أن الآية تقدمت، ثم تأخر تخصيص السارق؛ ولو كان ذلك كما ظنّ لكان المتأخر ناسخا للآية.
وعلى تأويله هذا يقتضي أن يكون كلّ الخبر منسوخا؛ وإذا أمكن تأويل أخباره عليه السلام على/ ما لا يقتضي رفع أحكامها ونسخها كان أولى.
والأشبه أن يكون المراد بهذا الخبر أنّ السارق يسرق الكثير الجليل، فتقطع يده، ويسرق الحقير القليل فتقطع يده؛ فكأنه تعجيز له، وتضعيف لاختياره، من حيث باع يده بقليل الثمن؛ كما باعها بكثيره.
وقد حكى أهل اللغة أن بيضة القوم وسطهم، وبيضة الدار وسطها، وبيضة السنام شحمته، وبيضة الصّيف معظمه، وبيضة البلد الّذي لا نظير له؛ وإن كان قد يستعمل ذلك فى المدح والذم على سبيل الأضداد، وإذا استعمل فى الذم فمعناه أنّ الموصوف بذلك حقير مهين، كالبيضة التى تفسدها النعامة فتتركها ملقاة لا تلتفت إليها.
فمما جاء من ذلك فى المدح قول أخت عمرو بن عبد ودّ ترثيه، وتذكر قتل أمير المؤمنين