وثالثها أن يكون معنى هذه الآية أننى أجيب دعوة الداعى إذا دعانى على الوجه الصحيح، وبالشرط الّذي يجب أن يقارن الدعاء؛ وهو أن يدعو باشتراط المصلحة؛ ولا يطلب وقوع ما يدعو به على كل حال؛ ومن دعا بهذا الشرط فهو مجاب على كل حال؛ لأنه إن كان صلاحا فعل ما دعا به؛ وإن لم يكن صلاحا لم يفعل لفقد شرط دعائه، فهو أيضا مجاب إلى دعائه.
ورابعها أن يكون معنى دَعانِ أى عبدنى، وتكون الإجابة هى الثواب والجزاء على ذلك؛ فكأنه قال: إننى أثيب العباد على دعائهم لى؛ وهذا مما لا اختصاص فيه.
وخامسها ما قاله قوم من أنّ معنى الآية أنّ العبد إذا سأل الله تعالى شيئا فى إعطائه صلاح فعله به وأجابه إليه، وإن لم يكن فى إعطائه إياه فى الدنيا صلاح وخيرة لم يعطه ذلك فى الدنيا، وأعطاه إياه فى الآخرة، فهو مجيب لدعائه على كل حال.
وسادسها أنّه إذا دعاه العبد لم يخل من أحد أمرين: إمّا أن يجاب دعاؤه، وإمّا أن يخار له بصرفه عما سأل ودعا، فحسن اختيار الله له يقوم مقام الإجابة، فكأنه يجاب على كل حال.
وهذا الجواب يضعّف لأنّ العبد ربما سأل ما فيه صلاح ومنفعة له فى الدنيا، وإن كان فيه فساد فى الدين لغيره فلا يعطى ذلك، لأمر يرجع إليه، لكن لما فيه [من فساد غيره، فكيف يكون مجابا مع المنع الّذي] (?) لا يرجع إليه منه شيء من الصلاح! اللهم إلّا أن يقال: إنه دعا؛ مشروط بأن يكون صلاحا، ولا يكون فسادا، وهذا مما تقدم.
ومعنى قوله تعالى فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، أى فليجيبونى وليصدّقوا رسلى، قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى … فلم يستجبه عند ذاك مجيب (?)