[46] مجلس آخر [المجلس السادس والأربعون: ]
إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ؛ [البقرة: 186]
فقال: كيف ضمن الإجابة وتكفّل بها، وقد نرى من يدعو فلا يجاب؟ .
الجواب، قلنا فى ذلك وجوه.
أوّلها أن يكون المراد بقوله تعالى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ أى أسمع دعوته؛ ولهذا يقال للرجل: دعوت من لا يجيب أى دعوت من لا يسمع. وقد يكون أيضا يسمع بمعنى يجيب؛ كما كان يجيب بمعنى يسمع؛ يقال: سمع الله لمن حمده؛ يراد به: أجاب الله من حمده وأنشد ابن الأعرابىّ:
دعوت الله حتى خفت ألّا … يكون الله يسمع ما أقول
أراد يجيب ما أقول.
وثانيها أنّه تعالى لم يرد بقوله: قَرِيبٌ من قرب المسافة؛ بل أراد أننى قريب بإجابتى ومعونتى ونعمتى، أو بعلمى بما يأتى العبد ويذر، وما يسرّ ويجهر، تشبيها بقرب المسافة؛ لأن من قرب من غيره عرف أحواله ولم تخف عليه؛ ويكون قوله: أُجِيبُ على هذا تأكيدا للقرب؛ فكأنه أراد: إننى قريب قربا شديدا، وإننى بحيث لا يخفى عليّ أحوال العباد؛ كما يقول القائل إذا وصف نفسه بالقرب من صاحبه والعلم بحاله: أنا بحيث أسمع كلامك، وأجيب نداءك، وما جرى هذا المجرى. وقد روى أن قوما سألوا الرسول صلى الله عليه وآله فقالوا/ له: أربّنا قريب فنناجيه، أم
بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.