فقلت له: إنما أخذ ابن الرومىّ بيته الثالث من قول أبى نواس؛ فقال المكتفى بالله:
فما قال؟ قلت: حدثنى عليّ بن سراج المصرىّ قال حدثنى أبو وائل اللخمىّ قال حدثنى إبراهيم بن الخصيب قال: وقف أبو نواس بمصر على النيل؛ فرأى رجلا قد أخذه التمساح فقال:
أضمرت للنّيل هجرانا ومقلية … مذ قيل لى: إنّما التمساح فى النّيل
فمن رأى النّيل رأى العين من كثب … فما أرى النّيل إلّا فى البواقيل
قال الصولىّ: والبواقيل سفن صغار.
ثم أجرى المكتفى بعد ذلك ذكر الشيب، فقال: العرب تقول أظلم من شيب، وقد شبت، وظلمنى المشيب؛ وشبت يا صولىّ، فقلت: جواب عبدك فى هذا جواب معن بن زائدة الشيبانىّ لجدّك المنصور وقد قال له: كبرت يا معن، فقال: فى طاعتك يا أمير المؤمنين، قال: وإنّك لتتجلّد، قال: على أعدائك، قال: وفيك بحمد الله بقيّة، قال: لخدمتك.
فنزع المكتفى عمامته، فإذا شيبتان فى مقدّم رأسه، فقال: لقد غمّنى طلوع هاتين الشيبتين، فقلت له: إنما يعيش الناس فى الشيب؛ فأما السواد فلا يصحب الناس خالصا أكثر من أربعين سنة إلى الخمسين/، وقد يعاش فى البياض الّذي لا سواد فيه ثمانون سنة. وأنشده يحيى ابن عليّ فى معنى طول العمر مع المشيب قول امرئ القيس:
ألا إنّ بعد العدم للمرء قنوة … وبعد المشيب طول عمر وملبسا (?)
وأنشدته أنا أيضا أبياتا أنشدها إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ لبعض القيسيين:
لم ينتقص منى المشيب قلامة … الآن حين بدا ألبّ وأكيس
والشّيب إن يظهر فإنّ وراءه … عمرا يكون خلاله متنفّس
قال سيدنا أدام الله تمكينه: أما قول البحترىّ: «مضى وهو مولى الريح» فقد كرر معناه فى قوله من قصيدة يمدح بها أبا سعيد الثّغريّ: